و (منها) مرفوعة زرارة، وفيها بعد ذكر المرجحات (إذن فتخير أحدهما، فتأخذ به ودع الآخر).
هذا ما وقفنا عليه من الاخبار. ولا يخفى عدم ظهور لبعضها في التخيير بين الخبرين أصلا، كخبر سماعة، لقوة احتمال أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) (فهو في سعة...). كون المكلف في سعة من الأمر والنهي الواقعيين، حتى يعلم حكم الواقعة، لا أنه في سعة الاخذ بأحد الخبرين، كما هو المدعى، وكخبر حرث بن المغيرة، لاحتمال ان يكون المراد حجية قول الثقة من دون ملاحظة حال التعارض، فهو على هذا من الأدلة الدالة على حجية قول الثقة، فتأمل.
واما التوقيع الشريف وخبر على بن مهزيار فهما وان كانا دالين على التخيير بين الخبرين في الجملة، ولكن لورودهما في المستحبات لا اطلاق لهما، بحيث يشملان موارد الالزاميات، فلو قال قائل باختصاص التخيير بالمستحبات كما هو أحد الاحتمالات - فلا يدلان على خلافه، وكذا لورودهما في المورد الخاص أعني تعارض الخبرين المخصوصين. فلا اطلاق لهما بحيث يشمل ثبوت التخيير، حتى في مورد وجود المرجح، إذ لعل الحكم بالتخيير فيهما من جهة عدم وجود المرجح.
نعم خبر حسن بن جهم لا اختصاص له بالمستحبات، وان كان يشترك معهما في عدم الدلالة على التخيير، حتى في صورة وجود المرجح.
فظهر مما ذكرنا عدم ثبوت اطلاق لأدلة التخيير، حتى تشمل صورة وجود المرجح، فلو دل دليل على ثبوت الترجيح يؤخذ به من دون تزاحم أصلا، فلنشرع في بيان أدلة الترجيح:
إعلم أن الاخبار - الدالة على تقديم الخبر الموافق للكتاب والمخالف للقوم - بالغة حد الاستفاضة، بل لا يبعد دعوى التواتر فيها، وإن كان في القسم الأول ما يدل على عدم حجية المخالف للكتاب، فالأخذ بموافق الكتاب من جهة حجيته وعدم حجية غيره، ولكن فيه أيضا ما يدل على كون موافقة الكتاب مرجعة