أقول قد تحقق في محله أن الاجماع الذي هو أحد الأدلة عبارة عن الاتفاق الكاشف عن قول الإمام (عليه السلام) أو فعله أو تقريره كشفا قطعيا، فلو حصلنا على اتفاق الكل، ولكن احتملنا ان يكون منشأ هذا القول منهم أمرا لا يصح كونه مستندا عندنا، فلم يتحقق عندنا اجماع محقق، كما لا يخفى.
وفي المقام بما أنه يمكن بل يظن أن مدرك فتوى القائلين بوجوب الترجيح بعض الوجوه الآتية، فليس هذا الاتفاق بشئ، بل يرجع إلى تلك الوجوه. هذا حال الاجماع المحصل الذي استدل به، فكيف حال المنقول، مضافا إلى أن الناقلين لم ينقلوا الاجماع على وجوب الترجيح من الصحابة والعلماء، بل نقلوا عملهم على ذلك، وهو لا يكشف عن كونه واجبا عندهم.
و (منها) أن العدول عن الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا، بل ممتنع قطعا، فيجب العمل بالراجح، لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح.
وفيه أنه ان أريد من الراجح ما هو كذلك بملاحظة الدواعي الشخصية للفاعل، فترجيح المرجوح بهذا المعنى عليه محال، لكن ليس العمل بغير ذي المزية اختيارا للمرجوح، ضرورة أنه ما لم يترجح بحسب دواعيه الشخصية، لم يعقل اختياره. وإن أريد منه ما يكون كذلك عقلا، فقد عرفت أنه - مع قطع النظر عن التعبد - يحكم بالتوقف وعدم العمل بواحد منهما بالخصوص، فما دعت إلى العمل بأحد الخبرين عند التعارض الا الأخبار الواردة في الباب، فلابد أن تلاحظ، فان دلت على التخيير مطلقا، حكم به، وان دلت على الترجيح، حكم به أيضا، وان قصرت دلالتها من هذه الجهة، فلابد من الرجوع إلى الأصل الذي أسسناه.
وكيف كان فالتمسك بقبح ترجيح المرجوح على الراجح أو امتناعه مما لا دخل له بالمقام.
و (منها) الأخبار الواردة من طرقنا المشتملة على جمع من وجوه الترجيح. وقد ذكرها شيخنا المرتضى قدس سره في رسالة التعادل والترجيح، وهي العمدة في الباب عند مشايخنا قدس الله اسرارهم.