أقول الانصاف أن اثبات وجوب الترجيح بهذه الاخبار مشكل من وجوه: (أحدها) اختلاف هذه الأخبار، حيث ذكر في بعضها موافقة الكتاب والسنة، وفي بعضها مخالفة العامة، واطلاق الأول يقتضى وجوب الاخذ بموافق الكتاب، وان كان الآخر مخالفا للعامة، وكذا اطلاق الثاني يقتضى وجوب الترجيح بمخالفة العامة، وإن كان الآخر موافقا للكتاب، فإذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب، والآخر مخالفا للعامة، فمقتضى اطلاق الأول الاخذ بالأول، ومقتضى اطلاق الثاني الاخذ بالثاني. ودعوى أن المقصود في المقام هو الايجاب الجزئي - في مقابل السلب الكلى، ويحصل ذلك بواسطة دلالة تلك الأخبار في مورد الافتراق - مدفوعة بأن حمل كلام السائل في تلك الأخبار على خصوص مورد الافتراق في كمال البعد كما لا يخفى. وحمل كلام الإمام (عليه السلام) على ذلك - بعد فرض أن السائل لم ينظر خصوص هذا المورد بل سأل عن مطلق تعارض ما ورد عنهم - يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو وان كان جائزا إن اقتضت المصلحة ذلك، لكنه بعيد أيضا.
فان قلت هذا الاشكال جار بناءا على حمل اخبار الترجيح على الاستحباب أيضا، فلابد من حمل هذه الأخبار على خصوص مورد الافتراق على أي حال، سواء قلنا بوجوب الترجيح أو باستحبابه.
قلت بناءا على الحمل على الاستحباب، يحمل على الحكم الحيثي، كغالب الاحكام المستحبة المتعلقة بالعناوين، من حيث أنها هي، مع قطع النظر عن المزاحمات، بخلاف ما لو حملناها على الوجوب، فإنه على هذا يصير كسائر الاحكام الوجوبية المتعلقة بالعمل ظاهرا في الحكم الفعلي، فتأمل. وحملها - على أن المراد مجرد الرجحان من أي وجه حصل - ليس بأولى من حملها على ما ذكرنا.
و (منها) التعارض بين الخبرين المشتملين على جمع من وجوه الترجيح:
أحدهما مقبولة عمر بن حنظلة، والآخر مرفوعة زرارة، حيث أنه مقتضى الأول منهما الاخذ برواية الأعدل والأفقه، وان كان الآخر أشهر. ومقتضى الثاني