(قلت) ليس حكم العقل بوجوب الامتثال مختصا بما إذا علم عنوان المكلف به مفصلا، بل متى علم بشئ - ولو كان ذلك الشئ وجها من وجوه المكلف به - لزم عليه الامتثال بحكم العقل. ولذا قلنا في مبحث العلم الاجمالي أنه باقسامه موجب للاحتياط، لو لم يكن العنوان الواقعي للمكلف به معلوما، كما إذا علم بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال، أو بحرمة شرب التتن.
(فان قلت) نعم لكن ليس العلم بوجوب المهملة مقتضيا لاتيانها في ضمن أي فرد كان، ألا ترى أنه لو كان الواجب عتق الرقبة المؤمنة، لا يصح امتثاله بعتق الرقبة الكافرة؟ وان كانت نسبة الوجوب إلى عتق الرقبة بنحو الاهمال صحيحة، من جهة وجود المهملة في المقيد أيضا، فمقتضى العلم - بتعلق الوجوب بالطبيعة المهملة - امتثاله على نحو يقتضيه في الواقع. ولا يقطع بالبراءة من مقتضى هذا المعلوم إلا بالاتيان بالأكثر.
قلت إن علم تعلق التكليف بالمقيد، فلا يصح امتثاله في الفرد الفاقد للقيد، لان التكليف بالمقيد تكليف واحد، وان صح نسبته إلى المهملة، من جهة اتحادها مع المقيد، فذمته مشغولة باتيان ذلك المقيد، بخلاف ما نحن فيه، فان ذمته لم تشتغل بأزيد من هذه الطبيعة الجامعة.
فان قلت: على هذا لزم عليك ان تقول - في صورة العلم بوجوب أحد المتباينين - بعدم وجوب الاحتياط، لأنه لا يعلم الا بوجوب أحدهما، فلا يجب عليه الا اتيان أحدهما، لأنه المقدار المعلوم له.
قلت وجه الاحتياط في المتباينين أنه يعلم بوجوب عنوان خاص في نفس الامر، وذلك العنوان خصوصية زايدة على عنوان أحدهما، لان هذا العنوان الاجمالي صادق على كل منهما، وذلك لا ينطبق الا على واحد