عذر العبد بأن هذا الامر لم يكن لتحصيل غرض في المأمور به.
وان كان نظره إلى الوجه الأخير فنقول: لو علم بان غرض المولى لا يحصل باتيان متعلق الامر المعلوم، يحكم العقل باتيان ما هو موجب لحصول غرضه. وأما إذا لم يعلم ذلك، واحتمل انطباق غرضه على ما علم وجوبه - كما فيما نحن فيه - فلا يحكم العقل بوجوب شئ زائد على ما علم وجوبه، فان امتثال هذا الامر المعلوم واجب، ولا يعلم ببقاء غرض المولى بعد اتيان الفعل المفرض.
ويمكن ان يستدل على البراءة بوجه آخر، وهو أن يقال: إن الأقل معلوم الوجوب بالوجوب النفسي، لان المركب باللحاظ الأول - الذي يجعله الحاكم موضوعا للحكم - ملحوظ بلحاظ واحد، وموجود في الذهن بوجود واحد، ولا جزء له بهذا اللحاظ، إنما تعتبر الجزئية بلحاظ ثانوي، وهو لحاظ كل جزء منه مستقلا، فالجزء إن لوحظ مستقلا فهو مقدمة للكل، وان لوحظ طريقا إلى اللحاظ الأولى للحاكم على نحو الطبيعة المهملة، فهو غير الكل، إذ ليس للاجزاء بهذا الاعتبار وجود على حدة.
إذا عرفت هذا فنقول - بعد العلم بتعلق الوجوب إما بالأقل أو بالأكثر - نعلم بتعلقه بذات الأقل، مع قطع النظر عن كونه محدودا بأحد الحدين، ونشك في تعلقه بشئ آخر، فمقتضى الأصل البراءة.
فان قلت إن الطبيعة المهملة - من أحد الحدين - لا تكون موضوعة لحكم الحاكم قطعا، ضرورة أنه إما تعلق غرضه بالمركب الأقل أو الأكثر، فالقدر المشترك بينهما - المجرد عن اعتبار الوضعين - شئ انتزع عن تكليف الآمر بأحد العنوانين على جهة الخصوصية، ولا أثر هذا الامر الانتزاعي، وما هو واقع لا يعلم به الا اجمالا.