لا يقال إن الأقل معلوم الوجوب على كل حال، لأنه إما واجب نفسا وإما مقدمة لحصول الأكثر، وبعد العلم بوجوب الأقل تفصيلا، ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي.
لأنا نقول التكليف المعلوم تفصيلا لو كان غيريا في الواقع، لا يترتب عليه اثر عقلا، لما حقق في محله. والتكليف النفسي غير معلوم تفصيلا في طرف خاص، فيبقى العلم الاجمالي بالتكليف النفسي موجبا للاحتياط.
فان قلت نفى الأثر عن التكليف الغيري مطلقا لا وجه له، فان المنفى بحكم العقل استحقاق العقوبة على مخالفته كالتكليف النفسي. وأما كون مخالفته منشأ للعقاب على ذي المقدمة، فلا ينفيه العقل، بل هو لازم له عند العلم به، فحينئذ يقال: إن التكليف بالأقل معلوم، ومخالفته توجب استحقاق العبد للعقوبة، إما على ترك نفسه، وإما على ترك ما هو مسبب عن تركه، ولا علم له بتكليف آخر غير هذا المعلوم.
قلت المفروض على هذا القول عدم تنجز الأكثر، فكيف يصير ترك الأقل المعلوم موجبا للعقوبة عليه.
والحاصل ان احتمال كون الوجوب المعلوم غيريا هل يوجب تنجز الأكثر أم لا؟ فعلى الأول لا معنى للقول بالبراءة فيه. وعلى الثاني لا معنى للقول بان مخالفته توجب العقوبة عليه.
إن قلت ترك الأكثر قد يكون مستندا إلى ترك الاجزاء المعلومة، وقد يكون مستندا إلى ترك الجزء المشكوك فيه. والمراد - من أن مخالفة التكليف الغيري توجب العقوبة على ذي المقدمة - أنه لو ترك مستندا إلى ترك الاجزاء المعلوم وجوبها، لاستحق عليه العقاب، دون ما إذا ترك مستندا إلى غيرها.