وأما في مقامنا مما يكون الامر فيه دائرا بين الزائد والناقص، أو المطلق والمقيد، فلا علم للمكلف بلزوم خصوصية زائدة على المقدار المعلوم، فان مرجع كون الناقص أو المطلق مطلوبا إلى عدم دخل خصوصية زائدة على تلك الطبيعة، لا إلى دخل خصوصية زائدة، وهي النقص أو الاطلاق، فتدبر في المقام.
ومما ذكرنا عرفت وجه أصالة البراءة في الشك في القيد، فلا نطيل بذكره الكلام. هذا حال الأصل العقلي في الاجزاء والقيود المشكوكة في الواجبات التوصلية (92).
(واما) الواجبات التعبدية، فيستظهر القائل بالاحتياط بجهة أخرى غير ما ذكره في وجه الاحتياط في التوصليات، وهي أن الواجب فيها قصد التقرب، ولا يحصل الا بقصد اتيان ما هو تكليف نفسي للمولى، إذ في الواجبات الغيرية - على ما حقق في محله - لا يتأتى قصد القربة، فيجب من جهة حصول هذا المعنى المبين إتيان الأكثر، وقصد التقرب باتيان ما هو واجب في الواقع.
____________________
الأقل والأكثر (92) لكن لا يخفى أن البراءة - على التقريبين - لا تتم، إلا على القول بحصول الامتثال متدرجا لاجزاء المركب، ليصح أن يقال ما علم بوجوبه نعلم بامتثاله، وما شك في امتثاله مشكوك رأسا، وأما لو قيل بأن الامتثال في كل من الاجزاء مراعى بامتثال الكل فيمكن القول بالاشتغال، بل يتعين، لان ما علم وجوبه - وهو الأقل - مشكوك الامتثال، والعقل لا يحكم بالبراءة ما لم يجزم بامتثال ما علم وجوبه، فالاشتغال من جهة الشك في الامتثال الأقل لا من جهة الأكثر.