لأنا نقول: إن العلم الاجمالي بثبوت أحد التكليفين يوجب عقابا واحدا على المخالفة المتحققة بينهما، فلو شرب من الإناءين في محل الفرض، يستحق عقوبة واحدة، وكذا لو شرب من اناء، لاشتراك الفرضين في تحقق المخالفة الواحدة التي كانت محرمة بحكم العقل.
إذا عرفت هذا فنقول: إن مقتضى العلم الاجمالي في المقام أن يحتاط في تمام الأطراف، توصلا إلى الموافقة القطعية، واجتنابا عن المخالفة الواقعية، فإذا دل الدليل على الترخيص في بعض الأطراف - وهو المقدار الذي يرفع الحرج - بترك الاحتياط فيه (56)، فالمقدار المعلوم بالاجمال لو كان في الباقي، توجب مخالفته العقوبة، فيجب الاحتياط في غير مورد الترخيص، تخلصا من المخالفة الموجبة للعقاب.
هذا وأما إن قلنا بكفاية الامتثال بالمقدار المعلوم بالاجمال في نفس الامر، فيقتصر على العمل بالظنون المثبتة للتكليف بالمقدار المعلوم بالاجمال، لان العلم الاجمالي بمقدار خاص يوجب الاتيان به علما، وان لم يمكن فالواجب الاتيان به ظنا. ولا دليل على الاتيان بأزيد من ذلك
____________________
(56) قد مر آن الترخيص بحسب الواقع - ولو في بعض الأطراف - لا يلائم بقاء الواقع على فعليته، ولا محيص عن الاجماع لوجوب الاحتياط أو استكشافه من حكم العقل، وهما لا يقتضيان وجوب الاحتياط بنحو ما ذكر في المتن، إلا بما ذكرنا من استكشاف اهتمام الشارع بالواقعيات، بحيث لا يعذر المكلف على تركه في حالة الشك، فلا تغفل.