الفحص لزم عليه الاحتياط، فمخالفة الواقع مع حكم العقل بالاحتياط موجبة للاستحقاق (ج).
اللهم إلا أن يقال: إن حكم العقل بالاحتياط في المقام ليس لأجل التحفظ على الواقع مستقلا ومستقيما، بل لاحتمال وصول البيان وضبطه في الكتاب والسنة، ومعه يتم البيان ويرفع موضوع القاعدة، وفي مثله لا يوجب ترك الاحتياط استحقاق العقاب على الواقع بلا بيان، فضلا عن ورود بيان الضد.
ثم إنه يتم الكلام بذكر أمرين ذكرهما في الكفاية:
الأول: ظاهر الكفاية أن المخالفة فيما نحن فيه تكون مغفولا عنها، لكن لما كانت منتهية إلى الاختيار يستحق العبد العقوبة عليها (د).
وهو غير وجيه على إطلاقه، لأن الكلام في شرائط جريان الأصل، ولا إشكال في أن المورد ملتفت إليه، واحتمال المخالفة مورد الالتفات وإن كانت المخالفة غير معلومة، ففرق بين كونها غير معلومة وكونها مغفولا عنها، والمقام من قبيل الأول.
وكيف كان لو فرض أن ترك الفحص صار موجبا لبقاء الغفلة عن تكليف، كما لو فرض أن الفحص عن حرمة شرب التتن يصير موجبا للعثور على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، وكان الثاني مع عدم الفحص عن الأول مغفولا عنه، فشرب العبد التتن مع عدم الفحص، وترك الدعاء عند رؤية الهلال غفلة عن وجوبه، فهل يستحق العقاب على ترك الدعاء باعتبار أن هذه الغفلة الباقية بتقصير منه ولو في ترك الفحص عن تكليف آخر ليست عذرا، فهو ترك الواقع وخالف المولى بلا عذر، أو آنها عذر ومجرد عدم الفحص والتقصير في تكليف آخر لا يوجب انقطاع عذره؟
لا يبعد عدم معذوريته عند العقل، لأن المعذورية: إما لأجل عدم فعلية الأحكام الواقعية في حال غفلة المكلف عنها، وقد ذكرنا في محله (ه) عدم دخل الغفلة والجهل والعجز في عدم فعليتها ومقابلاتها في فعليتها، وأن مناط الفعلية والشأنية أو الإنشائية ليس ما ذكر.
وإما لأجل كون الغفلة مطلقا - بأي سبب كان - عذرا عند العقل مع فعلية الأحكام.