سيتعرض هذا المحقق لها، ويختار وجوب الفحص فيها - مما لا يحتاج حصول العلم بالموضوع [فيها] إلى مقدمات كثيرة، بل يحصل بمجرد النظر (1) فالفحص فيها لازم ولو مع عدم العلم الإجمالي، فالعلم الإجمالي من قبيل الحجر المضموم لجنب الإنسان (2).
(1) فوائد الأصول 4: 302.
(2) وقد يقال في الجواب عن إشكال أخصية الدليل: بأنه متجه لو كان متعلق العلم الإجمالي مطلقا، أو كان مقيدا بالظفر به على تقدير الفحص، ولكن كان تقريب العلم الإجمالي هو كونه بمقدار من الأحكام على وجه لو تفحص ولو في مقدار من المسائل لظفر به، وأما لو كان تقريبه بأنا نعلم بمقدار من الأحكام في مجموع المسائل المحررة على وجه لو تفحص في كل مسألة تكون مظان وجود محتمله لظفر به فلا يرد إشكال (أ).
وفيه: أن هذا مجرد تقريب وفرض يرجع إلى أمر واضح الخلاف، وهو العلم بأن في كل مسألة دليل إلزامي لو تفحصنا لظفرنا به، وهو - كما ترى - مخالف للوجدان، فكأن القائل أراد دفع الإشكال بأي وجه وتقريب ممكن طابق الواقع أولا.
والإنصاف أنه لا علم إجمالي إلا بأحكام بنحو الإجمال، ومع التفحص في أبواب الفقه لا يتفق انحلاله بالضرورة، فلو كان المستند هو العلم الإجمالي فلا محيص عن الإشكال، لكن قد عرفت أن الاستناد [إلى] العلم الإجمالي خروج عن الفرض، وهو شرط أصالة البراءة هذا حال الشبهات الحكمية.
وأما الموضوعية فالظاهر أن حكم العقل فيها - أيضا - الفحص، وعدم معذورية الجاهل قبل الفحص، لحكومة الوجدان بأن المولى إذا أمر عبده بإكرام كل ضيف أله، وشك في كون زيد ضيفه، لا يجوز له بحكم العقل - مع إمكان تفحص حاله، والعلم بأنه ضيفه أو لا - غض البصر عنه، خصوصا إذا كان رفع الشبهة سهلا أو المشتبه مهما.
فحكم العقل بمعذورية الجاهل، وقبح العقاب بلا حجة وسبب، إنما هو فيما إذا لم يكن جهله في معرض الزوال، ولم يكن العبد مقصرا في تحصيل غرض المولى، نعم بعد جد العبد واجتهاده في تحصيل غرضه، وعدم حصول لا العلم له، يكون حكم العقل