الكتاب من شيء) (١) وقال سبحانه: ﴿تبيانا لكل شيء﴾ (٢) وإنما فعلوا ذلك طلبا للرئاسة - كما قلنا آنفا - وأوقعوا الخلاف والمنازعة بين الأمة، فهم يهدمون الشريعة ويوهمون من لا يعلم أنهم ينصرونها.
وبهذه الأسباب تحزبت (٣) الأمة ووقعت العداوة بينهم وصاروا (٤) إلى الفتن والحروب ويستحل بعضهم دماء بعض. فإن اتعظ (٥) بعض من يعرف الحق من العلماء وخاطب بعض رؤسائهم في ذلك وخوفه بالله وأرهبه من عذابه عدل إلى العوام وقال لهم: هذا فلان! وأغرى العوام به ونسب إليه من القول ما لم تأت به شريعة ولا يقوله عاقل، ولا يتمكن ذلك العالم من أن يبين للعوام كيف جري الأمر في الشريعة ويوقظهم مما هم فيه، لمكان ما قد علمه من عصيانهم وألفهم بما قد نشأوا عليه خلفا عن سلف.
ولما رأى رؤساؤهم ذلك وأن العلماء مشمئزة من العوام جعلوا ذلك شرفا لهم عندهم وأوهموهم أن ذلك انقطاع منهم عن القيام بالحجة وإنما سكوتهم وتخفيهم لباطل يمنعهم وأن الحق هو ما أجمعنا عليه نحن، فلا يزال ذلك دأبهم. والرؤساء فيهم يتزايدون في كل يوم واختلافاتهم تزيد واحتجاجاتهم ومناظراتهم وجدلهم تكثر، حتى هجروا أحكام الشريعة وغيروا كتاب الله بتفسيرهم له بخلاف ما هو به كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يحرفون الكلم عن مواضعه﴾ (6).
وفي أصل أمرهم قد خربوا الأمة من حيث لا يشعرون، وتأولوا أخبار الرسول بتأويلات اخترعوها من أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان، وقلبوا المعاني وحملوها على ما يريدون مما يقوي رئاستهم. وتفسيق أهل العلم دأبهم عند العوام، يتوارث ذلك ابن عن أب وخلف عن سلف إلى أن يشاء الله إهلاكهم وانقراضهم، ولم يزل هؤلاء الذين هم علماء العوام أعداء الحق في كل أمة وقرن، فكم من نبي قتلوه ووصي جحدوه وعالم شردوه، فهم بأفعالهم هذه يكونون أسبابا في نسخ الشرائع