اختلفت المذاهب والآراء والاعتقادات فيما بين أهل دين واحد ورسول واحد لافتراقهم في موضوعاتهم واختلاف لغاتهم وأهوية بلادهم وتباين مواليدهم وآراء رؤسائهم وعلمائهم الذين يحزبونهم (1) ويخالفون بينهم طلبا لرئاسة الدنيا، وقد قيل في المثل: " خالف تذكر " لأ نه لو لم يطرح رؤساء علمائهم الاختلاف بينهم لم تكن لهم رئاسة، وكانوا يكونون شرعا واحدا، لأن أكثرهم متفقون في الأصول مختلفون في الفروع.
مثال ذلك: أنهم مقرون بالتوحيد وصفات الله سبحانه وتعالى مما يليق به، مقرون بالنبي المبعوث إليهم، متمسكون بالكتاب المنزل من جهة الرسول المرسل إليهم، مقرون بإيجاب الشريعة، مختلفون في الروايات التي وسائطها رجال مختلفون في المعاني، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان من معجزته وفضيلته أنه كان يخاطب كل قوم بما يفهمون عنه بحسب ما هم عليه وبحسب ما تتصوره عقولهم؛ فلذلك اختلفت الروايات وكثرت الديانات واختلفوا في خليفة الرسول، فكان ذلك من أكثر أسباب الخلاف في الأمة إلى حيث انتهينا.
وأيضا فإن أصحاب الجدل والمناظرة ومن يطلب المناقشة والرئاسة اخترعوا من نفوسهم في الديانات والشرائع أشياء كثيرة لم يأت بها الرسول ولا أقربها، وابتدعوها.
وقالوا لعوام الناس: هذه سنة الرسول، وحسنوا ذلك لأنفسهم حتى ظنوا هم أن الذي قد ابتدعوه حقيقة قد أمر بها الرسول (صلى الله عليه وآله). وأحدثوا في الأحكام والقضايا أشياء كثيرة بآرائهم وعقولهم، وضلوا بذلك عن كتاب ربهم وسنة نبيهم واستكبروا عن أهل الذكر الذين بينهم وقد أمروا أن يسألوهم عما أشكل عليهم، فظنوا لسخافة عقولهم أن الله سبحانه ترك أمر الشريعة وفرائض الديانة ناقصة حتى يحتاجوا إلى أن يتموها بآرائهم الفاسدة وقياساتهم الكاذبة واجتهادهم الباطل وما يخرصوه وما يخترعوه من أنفسهم. وكيف يكون ذلك! وهو يقول سبحانه وتعالى: (ما فرطنا في