الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الإسترآبادي ، السيد نور الدين العاملي - الصفحة ٥٣٨
من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي، له رجال إلهيون يجيبون دعوته وينصرونه. ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله، ولكن الله يظهره بالسيف والكرم فيطمعون ويخافون ويقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون خلافه ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم، لأ نهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد. وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية، فهو عندهم مجنون فاسد الخيال لا يلتفتون إليه (1). هذا تمام الكلام المنقول فيها.
والثانية: أن أفضل الحكماء الإسلاميين [العلامة الشيرازي أنه كان من التناسخية، وزعم جماعة من الفضلاء منهم الفاضل البرجندي: أن كتاب إخوان الصفا ألفه جماعة، ذكر ذلك في شرح التذكرة ووجده نسق الكلام في كل رسائله،
____________________
والامتياز والرغبة في ذلك، لأن كونه مع أضيافه حال اجتماعهم يقتضي في مقام الكمال أن يكون مقامه معهم بمنزلة الخادم لهم ولا يرى لنفسه الفضل عليهم في شيء، ويكون موافقا لهم مطيعا. فكان ينبغي أن يعتبر من ذلك ويرى أن هذه الحالة التي يعتقدها مزية وإلهاما وهي مخالفته لأجلة العلماء في هذا الزمان الطويل والكلام عليهم وإظهار المزية والرفعة عليهم، وإنهم ليس لهم نسبة إليه في العلوم والمعارف والمنزلة عند الله والأئمة (عليهم السلام) نظير ما رآه من قباحة الترفع على أضيافه والانفراد عنهم بما يقتضي المزية عليهم وعدم مساواته لهم، ويعرف أن الخطأ للمنفرد أقرب منه للجماعة، فكان ينبغي أن يكون هذا المنام سببا لتيقظه عن غفلته ورجوعه عن اعتقاده.
وعلى كل حال المنامات المتضمنة لاعتقاد رآها في نفسه الكمال لا يكون إلا من الشيطان، لأ نه إذا وجد مدخلا سهلا للإغراء بالخطأ وتزيينه لصاحبه بحلية الصواب يرغب في إغرائه ويريه مخايل تؤكد له ما عنده والإصرار عليه.

(1) شرح الديوان المنسوب إلى الامام (عليه السلام) للميبدي: 123.
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 ... » »»
الفهرست