إلى ما لا يقضي العقل فيها بحسن ولا بقبح، ولهم فيها ثلاثة مذاهب: الحظر والإباحة والوقف عنهما، وإلى غيرها، وهو ينقسم عندهم إلى الأقسام الخمسة المشهورة من واجب ومندوب ومحظور ومكروه ومباح، لأ نه لو اشتمل أحد طرفيه على مفسدة فإما فعله حرام وإما تركه فواجب، وإن لم يشتمل عليه فإن اشتمل على مصلحة فإما فعله فمندوب أو تركه فمكروه، وإن لم يشتمل عليها أيضا فمباح.
أما الحاظر فنقول له: لو كانت محظورة وفرضنا ضدين لا ثالث لهما كالحركة والسكون لزم التكليف بالمحال.
قال الأستاد من ملك بحرا لا ينزف واتصف بغاية الجود وأخذ مملوكه قطرة من ذلك البحر فكيف يدرك العقل تحريمها؟ والتقريب واضح، قالوا: تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيحرم.
الجواب: أن حرمة التصرف في ملك الغير عقلا ممنوع، فإنها تبتني على السمع، ولولا ورود السمع بها لما علم. ولو سلم كونها عقلية فذلك فيمن يلحقه ضرر بالتصرف في ملكه، ولذلك لا يقبح النظر في مرآة الغير والاستظلال بجداره والاصطلاء بناره والمالك فيما نحن فيه منزه عن الضرر. فمعارض ولو سلم بما في المنع من الضرر الناجز ودفعه عن النفس واجب عقلا، وليس تحمله لدفع ضرر الخوف أولى من العكس.
وأما المبيح فنقول له: إن أردت أن لا حكم بحرج في الفعل والترك فمسلم، وإن أردت خطاب الشارع بذلك فلا شرع. وإن أردت حكم العقل بذلك فالمفروض أنه لا حكم للعقل فيه بحسن أو قبح في حكم الشارع بذلك فإن ذلك معنى عدم حكم العقل بحسنه أو قبحه وقد فرضه كذلك، فيلزمك التناقض؛ ومثله آت في المحرم.
قالوا: خلق العبد وما ينتفع به، فالحكمة تقتضي إباحته له تحصيلا لمقصود خلقهما وإلا كان عبثا خاليا عن الحكمة وأ نه نقص.
الجواب: المعارضة بأنه ملك الغير فيحرم التصرف، والحل بأنه ربما خلقهما ليشتهيه فيصبر عنه فيثاب عليه، فلا يلزم من عدم الإباحة عبث.