وشبهوا ذلك على المسلمين، إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم (1) فلو لم يجعل فيها قيما حافظا لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بيناه، وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان فيوقت واحد وأكثر من ذلك؟
قيل: لعلل:
منها: أن الواحد لا يختلف فعله وتدبيره والاثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما، وذلك أنا لم نجد إلا اثنين مختلفي الهمم والإرادة، فإذا كان اثنين ثم اختلفت هممهما وإرادتهما وكانا كلاهما مفترض الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد، ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلا وهو عاص للآخر فتعم المصيبة أهل الأرض، ثم لا يكون مع ذلك السبيل إلى الطاعة والإيمان، ويكونون إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع والذي وضع لهم باب الاختلاف وسبب التشاجر إذا أمرهم باختلاف المختلفين.
ومنها: أنه لو كان إمامين كان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير الذي يدعو إليه الآخر في الحكومة، ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع من صاحبه فتبطل الحقوق والأحكام والحدود.
ومنها: أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنظر والحكم والأمر والنهي من الآخر وإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن ينبذوا الكلام، وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشيء إذا كانا في الأمة شرعا واحدا، فإن جاز لأحدهما السكوت جاز للآخر مثل ذلك، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام وعطلت الحدود وصار الناس كأنهم لا إمام لهم.
فإن قيل: فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول (صلى الله عليه وآله)؟
قيل: لعلل: