وأما قول النووي في حديث مسلم " إن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو في النار ": وليس في هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره عليه الصلاة والسلام (3) فبعيد جدا، للاتفاق على أن إبراهيم ومن بعده لم يرسلوا للعرب ورسالة إسماعيل إليهم انتهت بموته، إذ لم يعلم لغير نبينا (صلى الله عليه وآله) عموم بعثة بعد الموت.
وقد يؤول كلامه بحمله على عباد الأوثان الذين ورد فيهم أنهم في النار.
وبهذا يؤول كلام الفخر الرازي القريب من كلام النووي (4).
ثم رأيت الآبي - شارح مسلم - بالغ في الرد على النووي بأن كلامه متناف لحكمه بأنهم أهل فترة، وبأن الدعوة بلغتهم ومن بلغتهم الدعوة ليسوا أهل فترة، لأ نهم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني.
ثم قال (5): ولما دلت القواطع على أن لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أن أهل الفترة غير معذبين انتهى. وهو موافق لما ذكرته.
وأما الذين صح تعذيبهم مع كونهم من أهل الفترة، فلا يردون نقضا على ما عليه الأشاعرة من أهل الكتاب والأصول والشافعية من الفقهاء من أن أهل الفترة لا يعذبون، وسبب ذلك أننا عهدنا في الغلام الذي قتله الخضر (عليه السلام) أنه حكم بكفره
____________________
* لو صح الحديث لم يصح تأويله بأبي طالب (رضي الله عنه) لأ نه لم يمت إلا على الإسلام، والعقل والنقل شاهد بذلك، وكان كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ليتيسر له الذب عن رسول الله والانتصار له (عليه السلام). وأمر الله سبحانه لرسوله (صلى الله عليه وآله) بالخروج من مكة بعد وفاته وتعليله بموت ناصره وهو أبو طالب وغير ذلك أدلة واضحة على إسلامه لا تحتمل الريب.