ومن المعلوم أنه (رحمه الله) لم يذكر في كتابه هذا قاعدة بها يميز بين الحديث الصحيح وغيره، فعلم أن كل ما فيه صحيح، فإنه لو كان ملفقا من صحيح وغير صحيح لزاد السائل الإشكال والحيرة ولما جاز اكتفاء المتعلم به وأخذ المسترشد منه. وأيضا من الأمور المعلومة عند من تتبع كتب الأخبار والرجال: أن الأصول الصحيحة والأحاديث المعتمدة عليها كانت في زمن الإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (قدس سره) ممتازة عن غيرها. ومن المعلوم أنه لم يقع من مثله أن يجمع بينهما في كتاب واحد في مقام الهداية والإرشاد من غير نصب علامة مائزة، ذلك ظن الذين لا يوقنون.
وكذلك رئيس الطائفة (قدس سره) تكلم باصطلاح القدماء حيث ذكر في أوائل كتاب الاستبصار موافقا لما صرح به في كتاب العدة (2) كما حققه المحقق الحلي واختاره في أصوله (3).
وفي أوائل المعتبر ما محصوله: أن أخبار كتب قدمائنا التي كانت متداولة بينهم وكانوا مجمعين على ورودها عن المعصومين (عليهم السلام) لا يخلو من أقسام ثلاثة: من جملتها ما يكون مضمون الخبر متواترا. ومن جملتها ما يكون احدى القرائن الموجبة للقطع بصحة مضمون الخبر موجودة. ومن جملتها ما لا يكون هذا ولا ذاك.
وإن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام: من جملتها خبر انعقد إجماعهم على نقله عنهم (عليهم السلام) بمعنى أنهم لم ينقلوا عنهم (عليهم السلام) في بابه إلا إياه أو ما يوافقه. ومن جملتها خبر ليس كذلك، ولكن انعقد إجماعهم على صحته بمعنى وروده عن المعصوم مع قيد عدم ظهور مانع شرعي عن العمل به، وأن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرهما من الكتب لا يخلو عن الأقسام المذكورة (4) *.
____________________
* من تأمل حقيقة الحال عرف أن الاختلاف في الأخبار والتنافي كان حاصلا في زمن