ومنها: أنهم فرقوا بين القضاء والإفتاء، بأن الأول لا ينقض إلا بقطعي، لأ نه وضع لفصل الخصومات دون الثاني، فلو حكم قاض في رؤية هلال عيد الفطر مثلا أو منازعة دنيوية بحكم مبني على اجتهاده يجب على كل المجتهدين موافقته في ذلك الحكم الشخصي.
ومنها: أنهم ذكروا أن الإجماع بالمعنى الذي اعتبروه معصوم (1) عن الخطأ دون اجتهاده (صلى الله عليه وآله) (2) فهو أقوى منه من وجه كما صرحوا به.
ثم احتاجوا في تحصيل تلك الملكة إلى فتح أبواب أخر ففتحوها وسموها أدلة شرعية.
ثم احتاجوا إلى وضع باب الترجيحات، لكثرة وقوع التعارض بين الأمارات والخيالات التي اعتبروها، وإلى القول بالتخيير في أحكامه تعالى عند العجز عن الترجيحات التي اعتبروها لئلا يلزم تعطل الأحكام، وإلى نصب رجل ثالث ليحكم على أحد المجتهدين للآخر عند تعارض اجتهاديهما لئلا يلزم تعطل الأحكام. ثم سدوا باب القدح في جل ما اعتبروه بادعاء الإجماع عليه.
فأول الأبواب التي منحوها ومعظمها الإجماع، إذ عليه يبتنى سائر قواعدهم، وفسروه بتفاسير مختلفة متقاربة المعنى، ففي الشرح العضدي للمختصر الحاجبي:
الإجماع اتفاق المجتهدين من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) في عصر على أمر (3) وفي جمع الجوامع: الإجماع اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة محمد (صلى الله عليه وآله) في عصر على أي أمر كان (4). وقالوا: أي أمر كان يعم الإثبات والنفي والأحكام الشرعية واللغوية والعقلية والدنيوية فهو حجة فيها، كما جزموا به في الأولين ورجحوه في الآخرين وادعوا تحققه في مواضع لا تعد ولا تحصى من باب الخرص والتخمين.
والتزموا أن لا يلتفتوا إلى قول أهل الذكر (عليهم السلام) في تحقق الإجماع ولا إلى قول من تمسك بهم.