الاصطلاحات إن ظهرت دلالة على جواز التمسك ببعض أفراد خبر الواحد الخالي عن القرائن ولم تظهر، بل وجدت دلالات على أن الحق في هذه المسألة ما اختاره علم الهدى ورئيس الطائفة والمحقق الحلي وابن إدريس - قدس الله أرواحهم - كما سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى.
وثانيا: أن هذا التقسيم وما يتعلق به من الأحكام كان مشهورا في كتب العامة قديمهم وحديثهم، والسبب فيه: أن معظم أحاديثهم من باب خبر الواحد الخالي عن القرائن الموجبة للقطع بورود الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) فاضطروا إلى التقسيم المذكور وما يتعلق به من الأحكام.
وأما قدماء علمائنا - قدس الله أرواحهم - فلما تمكنوا من أخذ الأحكام بطريق القطع عن الأئمة (عليهم السلام) بواسطة أو بلا واسطة تفيد القطع، لثقة في الرواية أو لغيره من القرائن ولما ثبت عندهم بطريق المشافهة عن الصادقين (عليهم السلام) أو بواسطة تفيد اليقين والقطع أنه لا يجوز العمل والفتيا بالظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى لم يكن جائزا لهم سلوك طريق غير القطع واليقين، فلذلك لم يلتفتوا إلى تقسيم خبر الواحد الخالي عن القرائن الموجبة للقطع وإلى ما يتعلق به من الأحكام.
ثم لما نشأ ابن الجنيد وابن أبي عقيل في أوائل الغيبة الكبرى طالعا كتب الكلام وأصول الفقه للمعتزلة ونسجا في الأكثر على منوالهم، ثم أظهر الشيخ المفيد حسن الظن بهما عند تلامذته - كالسيد الأجل المرتضى ورئيس الطائفة - فشاعت القواعد الكلامية والقواعد الأصولية المبنية على الأفكار العقلية بين متأخري أصحابنا.
حتى وصلت النوبة إلى العلامة ومن وافقه من متأخري أصحابنا الأصوليين، فطالعوا كتب العامة لإرادتهم التبحر في العلوم أو غيره من الأغراض الصحيحة وأعجبتهم كثير من قواعدهم الكلامية والأصولية الفقهية والتقسيمات والاصطلاحات المتعلقة بالأمور الشرعية، فأوردوها في كتبهم لا لضرورة دعت إليه - كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى - بل لغفلتهم عن أن تلك القواعد والتقسيمات والاصطلاحات لا تتجه على مذهبنا، ولغفلتهم عن استغناء علمائنا عن سلوك تلك الطرق بالأعلام المنصوبة