الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الإسترآبادي ، السيد نور الدين العاملي - الصفحة ١١١
وكذلك عمدة علمائنا الأخباريين شيخنا الصدوق محمد بن علي بن بابويه (قدس سره) تكلم باصطلاح القدماء حيث ذكر في أوائل كتاب من لا يحضره الفقيه: أن كل ما ذكره فيه صحيح وأ نه حجة بينه وبين الله تعالى (1).
وكذلك الإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (قدس سره) تكلم باصطلاح القدماء حيث ذكر في أوائل كتاب الكافي ما محصله: أنه صنفه لأن يزول به إشكال من تحير في الأحكام بسبب اختلاف الروايات وعدم تمكنه من التمييز بين الصحيح
____________________
ومما يزيد ما أشرنا إليه وضوحا وبيانا أنه في المعالم نقل عن السيد أنه أورد على نفسه فقال: إذا سددتم باب العمل بالأخبار فعلى أي شيء تعولون في الفقه كله؟ وأجاب بما حاصله:
أن معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمتنا (عليهم السلام) فيه بالأخبار المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه - ولعله الأقل - يعول فيه على إجماع الإمامية. ثم قال في المعالم: وذكر - أي السيد - كلاما طويلا محصله: أنه إذا أمكن تحصيل القطع من طرق ذكرها تعين العمل عليه، وإلا كنا مخيرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين (2) انتهى كلامهم (رحمهم الله).
وإذا تأملت هذا الكلام عرفت أنه ليس لكل مسألة من الأصول والفروع يوجد لنا عليها دليل من الحديث مقطوع به، وأن سبب الاختلاف في الأقوال عدم وجود دليل القطع، وعرفت خلل ما يدعيه المصنف: من أن كتب الحديث الأربعة جميع ما فيها مأخوذ من أصول معلومة صحيحة كلها عن أهل البيت (عليهم السلام) مقطوع بها، لأن تلك الأصول كأنها كانت غائبة عن السيد وابن الجنيد وابن أبي عقيل من القدماء وأمثالهم حتى غفلوا عنها وخالفت فتاواهم غالبا ما فيها ولم نر السيد ذكرها عند علمه بالمقطوع به من أخبار أهل البيت ولا تعرض لشيء منها ولا لطريقه إليها عند الحاجة والسؤال عن ذلك بعد رده لأخبار الآحاد، بل أجاب بما يقتضي إما الغفلة عنها أو عدم اطلاعه عليها، وهذا لا يتصور بعد فرض اطلاع غيره ممن لم يكن في رتبته، وإما لعلمه بعدم صحة جميع ما فيها وأن أخبارها غير موجبة للعلم في كل مسألة كما هو الظاهر من أحاديث الكتب الأربعة والمعتقد لمؤلفيهم باعتبار مخالفة بعضهم بل كلهم في بعض المسائل لما فيها واعتراف الشيخ في مواضع كثيرة بضعف طريق ما رواه، ويرده بسبب ضعف راويه.

(١) الفقيه ١: ٣، مقدمة المؤلف.
(2) معالم الدين: 196.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست