سورة مريم الآية (87 - 95) حكى سبحانه ما كان عليه هؤلاء الكفار الذين تمنوا ما لا يستحقونه، وتألوا على الله سبحانه من اتخاذهم الآلهة من دون الله لأجل يتعززون بذلك. قال الهروي: معنى (ليكونوا لهم عزا) ليكونوا لهم أعوانا. قال الفراء: معناه ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة، وقيل معناه ليتعززوا بهم من عذاب الله ويمتنعوا بها (كلا سيكفرون بعبادتهم) أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا، والضمير في الفعل إما للآلهة: أي ستجحد هذه الأصنام عبادة الكفار لها يوم ينطقها الله سبحانه، لأنها عند أن عبدوها جمادات لا تعقل ذلك، وإما للمشركين: أي سيجحد المشركون أنهم عبدوا الأصنام، ويدل على الوجه الأول قوله تعالى - ما كانوا إيانا يعبدون - وقوله - فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون - ويدل على الوجه الثاني قوله تعالى - والله ربنا ما كنا مشركين - وقرأ ابن أبي نهيك " كلا " بالتنوين، وروى عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها فعلى الضم هي بمعنى جميعا وانتصابها بفعل مضمر كأنه قال: سيكفرون كلا سيكفرون بعبادتهم، وعلى الفتح يكون مصدرا لفعل محذوف تقديره: كل هذا الرأي كلا، وقراءة الجمهور هي الصواب، وهى حرف ردع وزجر (ويكونون عليهم ضدا) أي تكون هذه الآلهة التي ظنوها عزا لهم ضدا عليهم: أي ضدا للعز وضد العز الذل هذا على الوجه الأول، وأما على الوجه الثاني فيكون المشركون للآلهة ضدا وأعداء يكفرون بها بعد أن كانوا يحبونها ويؤمنون بها (ألم تر انا أرسلنا الشياطين على الكافرين). ذكر الزجاج في معنى هذا وجهين: أحدهما أن معناه خلينا بين الكافرين وبين الشياطين فلم نعصمهم منهم ولم نعذهم. بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم إن عبادي ليس لك عليه سلطان - الوجه الثاني أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم قال - ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا - فمعنى الإرسال هاهنا التسليط ومن ذلك قوله سبحانه لإبليس - واستفزز من استطعت منهم بصوتك - ويؤيد الوجه الثاني تمام الآية، وهو (تؤزهم أزا) فإن الأز والهز والاستفزاز معناها التحريك والتهييج والإزعاج، فأخبر الله سبحانه أن الشياطين تحرك الكافرين وتهيجهم وتغويهم، وذلك هو التسليط لها عليهم، وقيل معنى الأز الاستعجال، وهو مقارب لما ذكرنا لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج، وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حالهم وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم، وجملة: تؤزهم أزا في محل نصب على الحال، أو مستأنفة على تقدير سؤال يدل عليه المقام، كأنه قيل ماذا تفعل الشياطين بهم؟ (فلا تعجل عليهم) بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر وعنادهم للحق وتمردهم عن داعي الله سبحانه، ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله (إنما نعد لهم عدا) يعني نعد الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم، وقيل نعد أنفاسهم، وقيل خطواتهم، وقيل لحظاتهم، وقيل الساعات. وقال قطرب: نعد أعمالهم. وقيل المعنى: لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثما. ثم لما قرر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذ، فقال (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) الظرف منصوب بفعل مقدر: أي أذكر يا محمد يوم الحشر، وقيل
(٣٥٠)