للمفعول وهى قراءة الجمهور، فالمعنى: أن هؤلاء المفتونين الذين تكلموا بكلمة الكفر مكرهين وصدورهم غير منشرحة للكفر إذا صلحت أعمالهم وجاهدوا في الله وصبروا على المكاره لغفور لهم رحيم بهم، وأما إذا كان سبب الآية هذه هو عبد الله بن أبي سرح الذي ارتد عن الإسلام ثم رجع بعد ذلك إلى الإسلام، فالمعنى: أن هذا المفتون في دينه بالردة إذا أسلم وجاهد وصبر فالله غفور له رحيم به، والضمير في بعدها يرجع إلى الفتنة أو إلى المهاجرة والجهاد والصبر، أو إلى الجميع (يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها) قال الزجاج: يوم تأتي منتصب بقوله رحيم، أو بإضمار أذكر، أو ذكرهم، أو أنذرهم، وقد استشكل إضافة ضمير النفس إلى النفس، ولا بد من التغاير بين المضاف والمضاف إليه. وأجيب بأن المراد بالنفس الأولى جملة بدن الإنسان، وبالنفس الثانية الذات، فكأن قيل يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه غيرها، ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها، فهو مجادل ومخاصم عن نفسه لا يتفرغ لغيرها يوم القيامة.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهاجر إلى المدينة قال لأصحابه: تفرقوا عني فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل، ومن لم تكن به قوة فليذهب في أول الليل، فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض فألحقوا بي فأصبح بلال المؤذن وخباب وعمار وجارية من قريش كانت أسلمت، فأخذهم المشركون وأبو جهل، فعرضوا على بلال أن يكفر فأبى، فجعلوا يضعون درعا من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه، فإذا ألبسوها إياه قال: أحد أحد، وأما خباب فجعلوا يجرونه في الشوك، وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقية، وأما الجارية فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد، ثم مدها فأدخل الحربة في قبلها حتى قتلها، ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه بالذي كان من أمرهم، واشتد على عمار الذي كان تكلم به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت، أكان منشرحا بالذي قلت أم لا؟ قال لا، فأنزل الله (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر آلهتهم بخير فتركوه، فلما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما وراءك؟ قال: شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال:
مطمئنا بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، فنزلت (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) قال: ذاك عمار بن ياسر (ولكن من شرح بالكفر صدرا) عبد الله بن أبي سرح. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن أبي مالك في قوله (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) قال: نزلت في عمار بن ياسر، وفى الباب روايات مصرحة بأنها نزلت في عمار بن ياسر. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال: نزلت هذه الآية (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) في عياش بن أبي ربيعة. وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: في سورة النحل - فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم - ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) الآية قال: وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتل يوم فتح مكة. فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن مثله. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) فيمن