وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال: العصبة الجماعة (إن أبانا لفي ضلال مبين) قال: لفي خطأ من رأيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في قوله (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف) قال: قاله كبيرهم الذي تخلف، قال: والجب بئر بالشام (يلتقطه بعض السيارة) قال: التقطه ناس من الأعراب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله (وألقوه في غيابة الجب) يعني الركية. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الجب البئر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال: هي بئر ببيت المقدس، يقول في بعض نواحيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الجب بحذاء طبرية بينه وبينها أميال.
قالوا يأبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون (11) أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون (12) قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون (13) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون (14) فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (15) وجاؤوا أباهم عشاء يبكون (16) قالوا يأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (17) وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (18).
لما أجمع رأيهم على أن يلقوه في غيابات الجب جاءوا إلى أبيهم وخاطبوه بلفظ الأبوة استعطافا له وتحريكا للحنو الذي جبلت عليه طبائع الآباء للأبناء، وتوسلا بذلك إلى تمام ما يريدونه من الكيد الذي دبروه، واستفهموه استفهام المنكر لأمر ينبغي أن يكون الواقع على خلافه، ف (قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف) أي أي شئ لك لا تجعلنا أمناء عليه، وكأنهم قد كانوا سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف فأبى. وقرأ يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد والزهري " لا تأمنا " بالإدغام بغير إشمام. وقرأ طلحة بن مصرف (لا تأمننا) بنونين ظاهرتين على الأصل. وقرأ يحيى بن وثاب وأبو رزين والأعمش " لا تيمنا " وهو لغة تميم كما تقدم. وقرأ سائر القراء بالإدغام والإشمام ليدل على حال الحرف قبل إدغامه (وإنا له لناصحون) في حفظه وحيطته حتى نرده إليك (أرسله معنا غدا) أي إلى الصحراء التي أرادوا الخروج إليها، وغدا ظرف، والأصل عند سيبويه غدوة. قال النضر بن شميل:
ما بين الفجر وطلوع الشمس، يقال له غدوة. وكذا يقال له بكرة (نرتع ونلعب) هذا جواب الأمر. قرأ أهل البصرة وأهل مكة وأهل الشام بالنون وإسكان العين كما رواه البعض عنهم. وقرأوا أيضا بالاختلاس، وقرأ الباقون بالنون وكسر العين. والقراءة الأولى مأخوذة من قول العرب رتع الإنسان أو البعير: إذا أكل كيف شاء، أو المعنى: نتسع في الخصب، وكل مخصب راتع: قال الشاعر * فارعي فزارة لا هناك المرتع * ومنه قول الشاعر: