قوله (وجاءوا أباهم عشاء يبكون) عشاء منتصب على الظرفية، وهو آخر النهار، وقيل في الليل، ويبكون في محل نصب على الحال: أي باكين أو متباكين لأنهم لم يبكوا حقيقة، بل فعلوا فعل من يبكي ترويجا لكذبهم وتنفيقا لمكرهم وغدرهم، فلما وصلوا إلى أبيهم (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) أي نتسابق في العدو أو في الرمي، وقيل ننتضل، ويؤيده قراءة ابن مسعود " ننتضل " قال الزجاج: وهو نوع من المسابقة. وقال الأزهري:
النضال في السهام. والرهان في الخيل، والمسابقة تجمعهما. قال القشيري: نستبق، أي في الرمي أو على الفرس أو على الأقدام. والغرض من المسابقة التدرب بذلك في القتال (وتركنا يوسف عند متاعنا) أي عند ثيابنا ليحرمها (فأكله الذئب) الفاء للتعقيب: أي أكله عقب ذلك. وقد اعتذروا عليه بما خافه سابقا عليه، ورب كلمة تقول لصاحبها دعني (وما أنت بمؤمن لنا) بمصدق لنا في هذا العذر الذي أبدينا، والكلمة التي قلناها (ولو كنا) عندك أو في الواقع (صادقين) لما قد علق بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك له. قال الزجاج: والمعنى ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا في هذه القضية لشدة محبتك ليوسف. وكذا ذكره ابن جرير وغيره (وجاءوا على قميصه بدم كذب) على قميصه في محل نصب على الظرفية: أي جاءوا فوق قميصه بدم، ووصف الدم بأنه كذب مبالغة كما هو معروف في وصف اسم العين باسم المعنى، وقيل المعنى: بدم ذي كذب أو بدم مكذوب فيه. وقرأ الحسن وعائشة " بدم كدب " بالدال المهملة: أي بدم طري، يقال للدم الطري كدب. وقال الشعبي: إنه المتغير، والكذب أيضا البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث، فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اللونين. وقد استدل يعقوب على كذبهم بصحة القميص. وقال لهم: متى كان هذا الذئب حكيما يأكل يوسف ولا يخرق القميص؟ ثم ذكر الله سبحانه ما أجاب به يعقوب عليهم فقال (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) أي زينت وسهلت. قال النيسابوري: التسويل تقرير في معنى النفس مع الطمع في تمامه. وهو تفعيل من السول وهو الأمنية. قال الأزهري: وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة (فصبر جميل) قال الزجاج: أي فشأني أو الذي أعتقده صبر جميل. وقال قطرب:
أي فصبري صبر جميل، وقيل فصبر جميل أولى بي. قيل والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه. قال الزجاج:
قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف " فصبرا جميلا " قال: وكذا في مصحف أنس. قال المبرد: فصبر جميل بالرفع أولى من النصب. لأن المعنى: قال رب عندي صبر جميل، وإنما النصب على المصدر أي فلأصبرن صبرا جميلا. قال الشاعر:
شكا إلي جملي طول السرى * صبرا جميلا فكلانا مبتلى (والله المستعان) أي المطلوب منه العون (على ما تصفون) أي على إظهار حال ما تصفون، أو على احتمال ما تصفون، وهذا منه عليه السلام إنشاء لا إخبار.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أرسله معنا غدا نرتع ونلعب) قال: نسعى و ننشط ونلهو. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والسلفي في الطيوريات عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تلقنوا الناس فيكذبوا، فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس، فلما لقنهم أبوهم كذبوا، فقالوا أكله الذئب ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله