أحسن موارد البلاغة في المبالغة، وقد تعارف بين كلمات البلغاء أمثاله.
وربما يتخيل: أن الأقرب أن يقرأ: * (فيه هدى) *، ويكون خبر " لا " محذوفا، لأن في دوران الأمر بين الحذف في الكلمة والمجاز في الإسناد يكون الثاني أغرب.
وأنت خبير: بما فيه من الانحراف عن جادة الاعتدال، ولا سيما في مثل هذا الكتاب المشحون بالاستعارات والمجازات.
وإن شئت قلت: إنه الهدى حقيقة لا مجازا، وذلك لأن هداية الإنسان بعد التصفية الكاملة والتحقق بحقيقة التقوى، تكون بالمعارف والعلوم المخزونة في نفسه وبالكلمات الإلهية والكتب السماوية، وحيث إن الكتاب الإلهي والكلام الرباني، واحد بحسب الحقيقة ومختلف بحسب الاعتبار، كما ربما نشير إليه في بعض البحوث الآتية، فما من القرآن في النفس الإنسانية هو الهدى، لأنه به المهتدى.
وبعبارة أخرى: الهداية حقيقة اهتداء البشر نحو الخير، واهتداؤه لا يتحقق إلا بتحقق ما به الاهتداء في النفوس البشرية، فما هو المهتدي هو الإنسان، وما هو الهدى هو الضياء والنور الحاصل له، ولأجل ذاك وذلك يقال: القرآن نور وضياء، لأن المتنور والمستضئ لا يتحقق استنارته إلا بالقرآن، فيكون القرآن نورا حقيقة، وهداية وضياء واقعا، فما ترى في كتب التفسير هنا وفي سائر المباحث، كله ناشئ من قله الباع وعدم الاطلاع على مغزى المرام واس المطالب. والله الهادي.