والاتقاء لازم ومطلوب.
وإن شئت قلت: إن القرآن يهدي على نعت القضية الطبيعية، أي طبعه على الهداية، وهو غير كاف، بل لابد من العزم والإرادة والبناء العملي والقلبي على الاهتداء بأنواره وأشعته.
إن قلت: كيف يصح أن يقال: إن ذلك الكتاب هدى، ولا يهتدي به أكثر الناس، ويعانده الملل المختلفة في الأدوار المتعاقبة وفي الأعصار والأمصار؟
قلت: أولا: هذه الشبهة تتوجه على الوجه الأول، وهو كونه هدى على نعت الادعاء والمجاز، وأما على القول بأنه مبالغة تقتضيه البلاغة، أو واقعية كشف عنها الكتاب، كما حررناه، فلا شبهة ولا مرية.
وثانيا: لا يتقوم صحة الدعوى وحسن الادعاء باتفاق الناس أو الأكثرية، بل تصح حسب المحيط والمنطقة الدعاوى الكثيرة، وهي لا تصح حسب المحيط الآخر، وإذا كان بين الناس أمة يعتقدون بذلك، ويرون أنه كتاب الهداية على نعت الاقتضاء، فيكون هذا الادعاء صحيحا جدا، فكيف وقد اهتدى به الملة التي تبلغ اليوم - وهو الثالث من صفر المظفر عام (1391 ه) - إلى ما بين سبعمائة مليون وثمانمائة، وهو ثلث البشر في الحال تقريبا.
فإلى هنا - مضافا إلى ما تبين أخيرا من الإشكال وجوابه - تبين: أن ما ارتكز لدى المفسرين من أن المتقين في هذه الآية هم الذين سمت نفوسهم، فأصابت ضرما من الهداية واستعدادا لتلقي نور الحق، والسعي في مرضاة الله بقدر ما يصل إليه إدراكهم، ويبلغ إليه اجتهادهم، غير