هم المؤمنون بالغيب... إلى آخر الآيات، ولكن عموم الآية الأولى لا يفسر بها، كما لا يخفى.
إن قلت: ليس التقوى إلا الاجتناب عما حرم الله تعالى أو يعد مورد الشبهة، وهذا هو المقصود منه في الشرائع.
قلت: كلا، فإن التقوى: تارة تنسب إليه تعالى، ويقال: * (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) *، فيكون المراد منه أنه يليق بأن يتقى منه دون غيره، وله تفسير آخر ربما يأتي - إن شاء الله تعالى - في محله.
وأخرى تنسب إلى الخلق من الله تعالى أو من سخطه بالنسبة إلى المحرمات والمشتبهات، فالمراد منه التحفظ عما ينافي أو يضر بحصول الكمالات أو بالكمالات الحاصلة الإنسانية، ولها عند هذا الإطلاق مراتب عديدة، بعضها قبل الإسلام، وبعضها بعد الإسلام وقبل الإيمان، وبعضها بعد الإيمان بمراتبها المنتهية إلى الفناء التام الذاتي.
فأولى مراتبها: الانزجار عن مساوئ النفس ودواعيها النافية للعاقلة، وهي مقام الاستغفار.
وثانيتها: الانصراف عنها وطلب الخلاص منها بالفرار، وهي مقام التوبة.
وثالثتها: الرجوع إلى الهداية الحقيقية والإنسان الكامل الذي هو خليفة الله تعالى، وهي مقام الإنابة.
وهذه الثلاثة مقدمة على الإسلام، ولعل إليها يشير الكتاب العزيز بقوله: * (يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) * (1)، ويقول في موضع آخر: