الجدية (1).
وفيما نحن فيه - بعد وجود الارتيابات المختلفة من الأبناء والأمم الكثيرة في هذا الكتاب أصلا وفرعا - تكون الجملة ناهية بحسب الجد، ويصير مفادها: أن هذا الكتاب لا يجوز أن يرتاب فيه، أو ذلك الكتاب لا يرتاب فيه تعبدا وادعاء لا واقعا. وهذه الدعوى غير مقبولة بعد وجود تلك الارتيابات الكثيرة من نواح شتى، لأن الدعوى تصح بالمصححات العقلائية، فإذا قيل: أسد علي، فهو في مورد يتجلى منه آثار الشهامة والشجاعة، ولا يجوز في موقف خلافها، بل ولا في مورد ضعفها ونقصانها، فينحصر بكون الجملة إخبارية استعمالا، وإنشائية حسب الجد والواقع، لا حقيقة ولا ادعائية.
وإلى هذا يرجع ما عن بعض الملاحدة: بأنه إن عنى أنه لاشك فيه عندنا فنحن قد نشك فيه، وإن عنى أنه لاشك فيه عنده، فلا فائدة فيه (2).
أقول: هنا أمر آخر قد غفل عنه الأصحاب، وهو أن من كان - بحسب نفس الأمر والواقع - عالما بعدم الهرج والمرج في منطقة من مناطق العالم، وكان الناس - لعدم اطلاعهم على الواقع ولجهلهم به جهلا مركبا - معتقدين بذلك فيها، فيرون فيه تمام الاختلال والهرج والمرج، فهل يجوز أن يخبر العالم بانتفاء ذلك فيها بخلاف ما كان يعلم، أم عليه الإخبار والإنباء