وعلى مسلك الحكيم * (يؤمنون بالغيب) * المطلق، جميع الملائكة والروحانيين وجميع الموجودات الأمرية، وجميع المؤمنين والمتقين من الجن والإنس، فإن ما هو الغيب على الإطلاق هي الذات الأحدية بالنسبة إلى كل أحد، بخلاف غيره تعالى، فإنه الغيب الإضافي والنسبي، وإيمان كل شئ بحسبه، فإن من الموجودات ما يكون الإيمان زائدا على ذاته، ومنهم ما هو الإيمان عين حقيقته الجوهرية النفسية أو الجوهرية العقلية، فيكون بتمام هويته مؤمنا بالغيب، ويكون هو الإيمان بالحمل الشائع، كما هو النور والعلم والقدرة، حسب ما تقرر في محاله.
وإن شئت قلت: إن صفة الإيمان بالغيب حقيقة لهؤلاء الطائفة من الموجودات الأمرية، وقد مدح الكتاب العزيز المتقين على أن يكونوا أمثالهم، فيرغبهم في الاتصاف بصفتهم والتمثل بمثلاتهم العليا وخصوصيتهم الراقية، * (ويقيمون الصلاة) * على حسب إمكاناتهم واستعداداتهم، فإن الصلاة والعبودية من اللوازم العقلية لجميع الطوائف الشاعرة، * (ويقيمون الصلاة) * بالإتيان بها أو بالأمر بالإتيان بها، فإن من إقامة الصلاة إلزام الغير بها، فتكون الأمريات والموجودات الأمرية يأمرون بالصلاة، والموجودات الخلقية يأتون بها ويواظبون عليها، على حسب اطلاعهم على حدودها العقلية والشرعية.
* (ومما رزقناهم) * - كمالا أوليا كان أو كمالا ثانويا - * (ينفقون) *،