وقال أبو حيان: سمعت الأستاذ أبا جعفر بن إبراهيم شيخنا يقول: " ذلك " إشارة إلى " الصراط " في قوله: * (إهدنا الصراط المستقيم) *، كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم، قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب، وبهذا البيان يتبين وجه الارتباط بين سورتي البقرة والفاتحة. وهذا القول أولى لأنه إشارة إلى شئ سبق ذكره (1). انتهى.
وأنت قد اطلعت على أن الغياب والبعد لا معنى لهما حقيقة في ناحيته الإلهية، وفي حضرته الربوبية، ولا يعقل القرب والبعد ولا الغيبة والحضور على نعت التقابل بين الأشياء بالنسبة إلى ذلك المقام الشامخ، فلابد من كونه من الادعاء كما سبق، ولو كان ما أفاده أخيرا صحيحا لكان المشار إليه تلك الحروف، لما سبق ذكره.
إن قلت: لا نسلم كون المناط في استعمال ألفاظ القريب والبعيد، من حروف الإشارة إلى المتكلم وصاحب الكلام، بل المناط يمكن أن يكون حال المرسل إليه والمرسل له، فإذا يمكن أن يكون ذلك في الاستعمال القرآني حقيقة لغوية، وإذا أمكن ذلك، فلاتصل النوبة إلى الحقيقة الادعائية والمجاز.
قلت: نعم يصح ذلك بالنسبة إلى المتكلم، الذي يمكن أن يعتبر له الغيبة والحضور بالنسبة إلى الأشياء، بمجرد انعطاف النظر والتوجه إلى الغير، كما يصح أن يشير أحد إلى مخاطبه بكلمة ذلك عند عطف