وعلى مسلك العارف أن * (ذلك الكتاب) * مقول قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في السفر الرابع، وهو السفر من الحق إلى الخلق بالحق، أي بوجود جامع للبرزخية الكبرى، فلا يشغله الكثرة عن الوحدة، ولا الوحدة عن الكثرة، ولكنه لمكان غلبة أحكام المادة - حسب المنطقة والحيطة - وأحكام القالبية - حسب الصيصية والبشرية - يصح أن يغلبه أحيانا غشية خاصة، موجبة لصدور كلمة " ذلك " إشارة إلى الغيب، مع أنه جامع الغيب والشهود، ولا يتصور في حقه القرب والبعد والغيب والشهود، حتى يتمكن من استعمال تلك الكلمة، ولكن مع ذلك كله لمكان تلك النكتة صحت في حقه كلمة " ذلك "، ويكون ما هو حقيقة المشار إليه هو الغيب المطلق والوجود البحت، فإنه حقيقة كل شئ، وهو الذي ينبغي أن يقال فيه: * (لا ريب فيه) *، وهو الهدى * (للمتقين) * لأعم من الأسماء والصفات، ومن مظاهرها في العوالم الكلية والجزئية، وفي جميع النشآت الباطنية والظاهرية.
فهو الكتاب لا غير، لأن غيره المكتوب، لا بالحلول بل بالاتحاد والصدور، فلا يتقوم كون الكتاب كتابا بأن تحل فيه النقوش والرسوم، بل النقوش والرسوم الصادرة من الغيب توجب كونه الكتاب، فإن النفس كتاب مع صدور الصور العلمية منها، وتقوم بها قيام صدور، ومتحدة معها اتحادا واقعيا بحسب المبدأ والأصل.