من قبلهم، بخلاف الغضب والضلال، فإنهما نسبا إليهما من غير استناد إليه تبارك وتعالى، فيكون أسباب الغضب والضلال في أنفسهم، ومن سوء أفعالهم وعقائدهم. وسيظهر بعض المسائل العقلية حول هذه الدقيقة.
تقابل الأوصاف الثلاثة ثم إن من المحاسن التي تزيد في فصاحة السورة وبلاغتها: أن الأوصاف المأخوذة في هذه الجمل متقابلة، ولا يزاد عليها شئ، وذلك لأن الإنسان لا يخلو - بحسب الحال - من إحدى هذه الحالات الثلاثة: إما يكون من لمنعم عليهم ومورد الرحمة والإنعام بالهداية إلى تلك النعمة والوصول إليها، أو يكون من الذين أيسوا من هدايته وانخلعت قابلية مادته عن الوصول إلى نور الهداية، فيكون في ظلمات بعضها فوق بعض، أو يكون من المستضعفين، لا بالغا إلى الهداية ولا مغضوبا عليه بغضب الظلمة والذلة، بل هو متحير وفي الطريق متردد، ويمكن أن تناله يد الغيب ونور الهداية. ولكل واحد منهم مراتب كثيرة ربما تكون غير متناهية.
غاية الهداية كون الإنسان المنعم عليه ومن المحاسن المستخرجة من ذكر هذه الجملة عقيب قوله تعالى: * (إهدنا الصراط المستقيم) *: أن المطلوب هي الهداية المنتهية إلى كون الإنسان من المنعم عليهم، فالهداية وإن كانت هي النعمة، إلا أن المراد - لعدم لزوم التكرار - هي الهداية التي تكون مطلوبة للوصول