فيعطون الوجود للماهيات النازلة والوجودات المتأخرة عنهم رتبة، ويحفظونهم عن الهلكة والفناء بأمر الله وإذنه، وينفقون العلم والمال والجاه في استكمال استعداداتهم، وفي إخراجهم من القوة إلى الفعلية ومن النقص إلى الكمال، ويحركونهم بالحركات الطبعية والغريزية والذاتية والعرضية إلى جانب الآخرة، وإلى أفقهم المتهيئ لهم حسب التعيين الإلهي.
وإن شئت قلت: إن المؤمنين بالغيب حقيقة هي الموجودات الأمرية، وإن على الناس - وعلى الموجودات المقترنة بالمواد والمصاحبة للهيولى والحركات - التشبه بهم والاهتداء بهديهم حتى يصلوا إليهم، ويقفوا عندهم، أو يعرجوا ويسافروا حتى ينزلوا في فناء الله تعالى.
وعلى مسلك العارف ومشرب الكاشف * (الذين يؤمنون بالغيب) * ويقرون به بالألسنة الخمسة، ولا ينكرون سريان الحقيقة الغيبية في جميع المراحل والمراتب وجريان الوجود الغيبي في الأعيان الثابتة والماهيات الإمكانية، فلا يؤمنون بموجودية الغيب على نحو الإجمال والإهمال، بل يؤمنون بالغيب وبموجوديته الكلية، السارية في جميع النشآت الملكية والملكوتية والناسوتية والجبروتية، ويؤمنون بأن جميع الحركات الظاهرة والسكنات المشاهدة، مستندة إلى الغيب ومتدربة من ناحية الغيب، ويؤمنون بأن جميع الأشياء الكلية والجزئية، متقدرة بتقادير غيبية ومحكومة بقضاء