ويمكن دعوى: أن وجه حصر الكتاب بهذا الكتاب ما في نفس الكتاب، وهو كونه بلا ريب بنحو الحقيقة والواقعية، أو لأجل بيان الشرافة والعظمة، فكأنه يرى أن ما فيه الريب والشك والاتهام والظن ليس من الكتاب، فعند ذلك ادعى انحصار الكتاب بهذا الكتاب، النازل من تلك الحقائق الراجعة إلى الحقيقة الواحدة الواجبية.
وبناء على هذا يكون جملة * (لا ريب فيه) * بمنزلة العلة للجملة الأولى، ولم يذكر في جملة الاحتمالات السابقة هذا الاحتمال وبعض آخر أيضا، إذا أضيف إليها يصير الاحتمالات في كيفيته إعراب الآية الشريفة أكثر.
تذنيب من كان من المتدبرين وأهل العلم، يجد أن اختلاف القوم في المراد من الكتاب ناشئ عن عدم عثورهم على وجه الإتيان ب " ذلك " مع أنه للبعيد، وتشتتوا في هذه المسألة غاية التشتت ونهاية الاختلاف، فقالوا:
المشار إليه ما نزل بمكة من القرآن، قاله ابن كيسان وغيره، أو التوراة والإنجيل، قاله عكرمة، أو ما في اللوح المحفوظ، قاله ابن حبيب، أو ما وعد به نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه ينزل إليه كتابا لا يمحوه الماء، ولا يخلق على كثرة الرد، قاله ابن عباس، أو الكتاب الذي وعد به يوم الميثاق، قاله عطاء بن السائب، أو الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل، قاله ابن رئاب، أو الذي لم ينزل من القرآن، أو الحروف المقطعة (1).