وبعبارة وضحى وكلمة أخرى: لا معنى لذلك إلا أن يراد منه أنه الهدى بعد الاهتداء، فيكون هناك مراتب، وهذا الكتاب بعد الاهتداء، والخروج من ظلمات الكفر والإلحاد والجهل والنفاق، يهدي إلى المراتب العالية.
أقول: أولا: إن الالتزام بذلك مما لا بأس به، ضرورة أن القرآن يشتمل على جميع أسباب الهداية، وقد أعلن ذلك في مواقف مختلفة.
ففي مورد يقول: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، وما يضل به إلا الفاسقين) * (1)، وهذا ربما يكون أول مرتبة الهداية، وهي الإخراج من الظلمات وسجون الطبيعة المظلمة إلى النور.
وفي مورد آخر يقول: * (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور) * (2)، وهذه هي أقصى مراتب الهداية، ومن المراتب العالية التي تتحير فيها العقول، وترتعد عندها القلوب والأرواح، وما بينهما المتوسطات.
وثانيا: إن في قوله تعالى هنا وفي غير هذه الآية ترغيبا وتحريضا على التقوى، ودعوة إلى الاجتناب عن المحرمات والمشتبهات مثلا، وذلك لأن يتوجه الناس إلى أن هذا القرآن يهدي من هو أهلها، وتكون بينه وبين الكتاب سنخية ومشاكلة، ومن يريد أن يهتدي بهداه فليتق الله، فهو - مضافا إلى دلالته على هدايته من أول درجاتها إلى آخرها - تدل على أن التقوى