وربما يخطر بالبال أن يقال: إن تركيز الإعجاز وتثبيته في قلوب المدنيين كان يقتضي أن تأتي هذه السورة في أول الهجرة، دفعا لما قد يتوهم من: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتمكن من الإتيان بالسور الطوال، ويقتصر على السور المكية القصيرة، والله الهادي إلى الصواب.
المبحث الخامس في نزول القرآن بحسب الترتيب المدون ربما يستظهر من بعض الآيات والأحاديث ومن بعض الكتب التفسيرية: أن القرآن نزل على الوجه المدون، فيكون أول ما نزل هي سورة الفاتحة، ثم البقرة، وهكذا.
وهذا على خلاف الضرورة القاضية بمكية السور القصيرة الواقعة في آخر القرآن المدون.
فأجيب: بأن النزول ما كان ينحصر بواحد، بل الكتاب العزيز نزل كرارا، وقالوا: إن التنزيل هو النزول الإجمالي، والنزول هو التنزيل التفصيلي، فبذلك تندفع الشبهة، ويعلم أن هذا النحو من التدوين كان على حسب التنزيل دون النزول، أو ولو كان نزول البقرة قبل الآيات المكية، ولكن كانت السياسية التبليغية تقتضي تأخيرها في الإظهار وفي إبلاغها إلى الناس.
وأيضا يعلم أن هذا النحو من التدوين كان على رأي الرسول الأعظم والولي المعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأجل هذه الكلية غير الثابتة عندي، تصدى