موضع (الذين) خفض، لأنه نعت (لأولي الألباب) أي فهؤلاء يستدلون على توحيد الله بخلقه السماوات والأرض، وأنهم يذكرون الله في جميع أحوالهم قياما وقعودا، وهو نصب على الحال. وقوله (وعلى جنوبهم) أي ومضطجعين، وإنما عطف على قياما وقعودا، لان معناه يدل على الحال، لان الظرف يكون حالا للمعرفة كما يكون نعتا للنكرة، لأنه من الاستقرار (كما تقول: مررت برجل على الحائط أي مستقرا على الحائط، ومررت برجل في الدار مثله، كما نقول أنا أصير إلى فلان ماشيا، وعلى الخيل، ومعناه وراكبا، كما (1) قال: (إذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) (2) ومعناه مضطجعا أو قائما أو قاعدا فبين تعالى أن هؤلاء المستدلين على حقيقة توحيد الله يذكرون الله في سائر الأحوال. وقال قوم: (يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) أي يصلون على قدر إمكانهم في صحتهم وسقمهم، وهو المروي في أخبارنا، ولا تنافي بين التأويلين، لأنه لا يمتنع أن يصفهم بأنهم يفكرون في خلق السماوات والأرض في هذه الأحوال ومع ذلك يصلون على هذه الأحوال في أوقات الصلوات، وهو قول ابن جريج وقتادة. وقوله: (ربنا ما خلقت هذا باطلا) إنما قال هذا ولم يقل هذه ولا هؤلاء، لأنه أراد به الخلق كأنه قال ما خلقت هذا الخلق باطلا (3) أي يقولون (ربنا ما خلقت هذا باطلا) بل خلقته دليلا على وحدانيتك وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك، لأنهم يأتون بما يعجز عنه جميع الخلق. وقوله: (سبحانك) معناه براءة لك من السوء وتنزيها لك من أن تكون خلقتهما باطلا قال الشاعر:
أقول - لما جاءني فخره - * سبحان من علقمة الفاخر (4)