لم يستقل بعد فيستقيم فيه تقدير العطف. وأما قوله: " فلا تحسبنهم " فان فعل الفاعل الذي هو يحسبون تعدى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون الثقيلة. وقوله: (بمفازة من العذاب) في موضع المفعول الثاني، وفيه ذكر المفعول الأول. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدى إلى ضمير نفسه نحو ظننتني أخاه، لأن هذه الأفعال لما كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت (إن) وأخواتها في دخولهن على الابتداء والخبر كدخول هذه الأفعال عليهما، وذلك نحو قولك:
ظننتني ذاهبا، كما تقول: إني ذاهب، ولو قلت أظن نفسي تفعل، لم يجز كما يجوز أظننتني فاعلا. وقال أبو سعيد الخدري، وأبو وهب، والزجاج: المعني بهذه الآية قوم من أهل الكتاب دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وخرجوا من عنده، فذكروا لمن كان رآهم في ذلك الوقت أن النبي صلى الله عليه وآله قد أتاهم بأشياء قد عرفوها، فحمدهم من شاهدهم من المسلمين على ذلك، وأظهروا خلاف ما أبطنوا، وأقاموا فيما بعد على الكفر، فأعلم الله تعالى نبيه أنهم ليسوا بمفازة أي ليسوا ببعد من العذاب.
وقيل معناه ليسوا بمنجاة من العذاب، ووقعت، " فلا تحسبنهم " مكررة لطول القصة كما يقولون: لا تظنن زيدا إذا جاءك كلمك بكذا وكذا، فلا تظننه صادقا، فيعيد فلا تظننه توكيدا، واعلاما ان ذلك يتعلق بالأول، ولو لم يكرر كان جائزا، لكن مع التأكيد أوضح. وقوله: " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " قال البلخي: إنهم قالوا: " نحن أبناء الله وأحباؤه " (1) وأهل الصوم والصلاة وليسوا بأولياء الله، ولا أحباؤه، ولا أهل الصلاة والصيام، ولكنهم أهل شرك ونفاق. وهو المروي عن أبي جعفر (ع). وقال قوم: " يحبون أن يحمدوا " على أنهم أبطلوا أمر محمد صلى الله عليه وآله، وكذبوا ما أبطلوه، ولا لهم قدرة على ذلك.
النزول، والمعنى:
وروي عن ابن عباس، وسعيد أن الآية نزلت في اليهود حيث كانوا يفرحون