وعلى وحدانيته، لان من فكر في السماوات وعظمها وعجائب ما فيها من النجوم والأفلاك، ومسير ذلك على التقدير الذي تسير عليه، وفكر في الأرض وما فيها من ضروب المنافع، وفي اختلاف الليل والنهار ومجيئهما بالأوقات والأزمنة التي فيها المصالح، واتساق ذلك وانتظام بعضها إلى بعض، وحاجة بعضها إلى بعض حتى لو عدم شئ منه لم يقم ما سواه (مقامه) (1) علم أن ذلك لا يكون إلا من مدبر قادر عليم حكيم واحد، لأنه لو كان قادرا، ولم يكن عالما بالعواقب لما أغنت القدرة شيئا، ولو كان عالما غير حكيم في فعله لما أغنى العلم شيئا، ولو كانا اثنين ما انتظم تدبير، ولاتم خلق، ولعلا بعضهم على بعض، كما قال تعالى: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (2) فكيف ينسب إلى الفقر من كان جميع ما في السماوات والأرض بيده، أم كيف يكون غنيا من كان رزقه بيد غيره إذا شاء رزقه وإذا شاء حرمه، ويدل على أن خالق الجسم لا يشبهه، لأنه لو أشبهه لكان محدثا مثله، ويدل على أنه قديم، لأنه لو كان محدثا لاحتاج إلى محدث ولأدى ذلك إلى ما لا يتناهى ويدل أيضا على أنه قادر على جميع الأجناس، لأنه من قدر على الجسم يقدر على سائر الأجناس، ووجه الدلالة من خلق السماوات والأرض على الله هو ان الانسان إذا فكر ورأي عظمها، وثقل الأرض ووقوفها على غير عمد يقلها، وحركة السماوات حولها لاعلى شئ يدعمها، علم أن الممسك لذلك هو الذي لا يشبه الأجسام ولا المحدثات، لأنه لو اجتمع جميع الخلق على أن يمسكوا جسما خفيف المقدار، ويقلوه في الجو من غير أن يدعموه لما قدروا عليه، فعلم حينئذ ان الذي يقدر عليه مخالف لجميع الأشياء وعلم أيضا أنها لو كانت السماوات والأرض معتمدة على غيرها لكان ذلك الغير يحتاج إلى ما يعتمد عليه وفي ذلك اثبات ما لا يتناهى من الأجسام، وذلك محال فهذا أحد وجوه دلالة السماوات والأرض، وهو أحد
(٧٩)