الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) (198) - آية -.
قرأ أبو جعفر (لكن) بتشديد النون وفتحها - ههنا وفي (الزمر) - وقرأ أبو عمرو والكسائي، وحمزة في أكثر الروايات (الأشرار، والأبرار، والقرار) بالإمالة. الباقون - بالتفخيم - والإمالة في فتحة الراء حسنة، لان الراء المكسورة تغلب المفتوحة كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد، وقادر فيمن أمالهن، فإذا غلبت المستعلي، فان تغلب الراء المفتوحة أولى، لأنه لا استعلاء في الراء، وإنما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير. ومن لم يمل، فلان كثيرا من الناس لا يميل شيئا من ذلك.
لما أخبر الله تعالى عما للكفار من سوء العاقبة وأنواع العذاب بشر المؤمنين بما أعدلهم من الجزاء عند الله وجزيل الثواب، فقال: (لكن الذين اتقوا ربهم) بفعل الطاعات، وترك المعاصي (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله) يعني ثوابا من عند الله، وهو نصب على المصدر على وجه التأكيد، لان خلودهم فيه انزالهم فيها، كأنه قال: نزلوها نزلا، وهو بمعنى أنزلوها انزالا.
ويحتمل أن يكون نصبا على التفسير، كقولك: هو لك هبة. وواحد الأبرار بار:
مثل صاحب، وأصحاب. و. يجوز أن يكون بر وأبرار - على فعل وأفعال - تقول:
بررت والدي، فانا بر. وأصله برر لكن أدغمت الراء للتضعيف. وقوله: " وما عند الله خير " يعني من الحبا والكرامة، وحسن المآب خير للأبرار مما يتقلب فيه الذين كفروا، لان ما يتقلبون فيه زائل فان قليل، وما عند الله دائم غير زائل.
وقد بينا معنى (لكن) فيما مضى، وانها للاستدراك بها خلاف المعنى المتقدم من اثبات بعد نفي أو نفي بعد اثبات. فقوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) يتضمن معنى فما لهم كبير نفع، فجاء على ذلك، (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات) وقوله: (تجري من تحتها الأنهار) معناه تجري من تحت شجرها.