في هذه الآية أيضا حكاية عمن تقدم وصفهم بأنهم أولوا الألباب وغير ذلك من الأوصاف التي مضت بأنهم يقولون: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان) واختلفوا فيمن المنادي ههنا، فقال محمد بن كعب القرظي وقتادة: هو القرآن.
وقال ابن جريج وابن زيد: هو رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الذي اختاره الجبائي، واختار الطبري الأول قال: لأنه ليس كل أحد سمع قول النبي صلى الله عليه وآله ولا رآه ولا عاينه وسمع دعاءه إلى الله تعالى. والقرآن سمعه من رآه ومن لم يره كما قال تعالى مخبرا عن الجن انهم قالوا: (سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) وهذا الذي ذكره ليس بطعن، لأنه إذا بلغه دعوة النبي صلى الله عليه وآله جاز أن يقول (سمعنا مناديا) وإن كان فيه ضرب من التجوز، وقال قتادة سمعوا دعوة من الله فأجابوها وأحسنوا فيها وصبروا عليها. وقوله: (سمعنا مناديا) يعني نداء مناد لان المنادي لا يسمع وقوله: (للايمان) معناه إلى الايمان، كما قال: (الحمد لله الذي هدانا لهذا) (1) ومعناه إلى هذا قال الراجز:
أوحى لها القرار فاستقرت * وشدها بالراسيات الثبت (2) يعني أوحى إليها. ومنه قوله: (بأن ربك أوحى لها) (3) أي إليها، فمعنى الآية (ربنا اننا سمعنا) داعيا يدعو إلى الايمان والتصديق بك، والاقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك واتباع أمره ونهيه، فصدقنا بذلك يا (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) ومعناه استرها علينا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رؤوس الاشهاد بعقوبتك، لكن كفرها عنا (وكفر عنا سيئاتنا) معناه امحها بفضلك ورحمتك إيانا (وتوفنا مع الأبرار) معناه واقبضنا إليك إذا قبضتنا في جملة الأبرار، واحشرنا معهم.