فان قيل كيف يقولون " فيها حكم الله " وعندكم أنها محرفة مغيرة؟:.
قلنا: على ما قال الحسن وقتادة لا يتوجه، لأنها وإن كانت مغيرة محرفة لا يمتنع أن يكون فيها هذان الحكمان غير مبدلين، وهو رجم المحصن ووجوب القود. ويحتمل أن يكون المراد بذلك فيها حكم الله عندهم، لأنهم لا يقرون بأنها مغيرة بل يدعون أنها هي التي أنزلت على موسى (ع) بعينها.
والحكم هو فصل الامر على وجه الحكمة فيما يفصل به، وقد يفصل بالبيان أنه الحق وقد يفصل بالزام الحق والاخذ به كما يفصل الحكام بين الخصوم بما يقطع الخصومة وتثبت القضية. وقوله: " ثم يتولون " فالتولي هو الانصراف عن الشئ والتولي عن الحق. الترك له. وهو خلاف التولي إليه، لان الاقبال عليه والتولي له فالله صرف النصرة والمعونة إليه ومنه تولي الله للمؤمنين.
وقوله: " من بعد ذلك " قال عبد الله بن كثير: إشارة إلى حكم الله في التوراة. وقال قوم هو إشارة إلى تحكيمك، لأنهم ليسوا منه على ثقة، وإنما طلبوا به الرخصة. وقوله: " وما أولئك بالمؤمنين " قيل في معناه قولان:
أحدهما - وما هم بالمؤمنين بحكمك أنه من عند الله مع جحدهم نبوتك والعدول عما يعتقدونه حكما لله فيه لا على من يقرون بنبوته، فبين أن حالهم ينافي حال المؤمن به. والثاني - قال أبو علي أن من طلب غير حكم الله من حيث لم يرض به فهو كافر بالله وهكذا هؤلاء اليهود.
قوله تعالى:
إنا أنزلنا التورية فيها هدى ونور يحكم بها