تعالى أولى بهما وأحق، لأنه مالكهما والههما دونكم وهو اعلم بما فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك، وفي ذلك، وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلا تتبعوا الهوى في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها لغني وفقير إلى أحدهما، فتعدلوا عن الحق أي تجوزوا عنه وتضلوا ولكن قوموا بالقسط، وأدوا الشهادة على ما امركم الله عز وجل بأدائها بالعدل لمن شهدتم عليه وله، فان قيل كيف تكون شهادة الانسان على نفسه حتى يأمر الله تعالى بذلك، قلنا: بان يكون عليه حق لغيره، فيقر له ولا يجحده، فأدب الله تعالى المؤمنين ان يفعلوا ما فعله الذين عذروا بني أبيرق في سرقتهم ما سرقوا، وخيانتهم ما خانوا وإضافتهم ذلك إلى غيرهم فهذا اختيار الطبري. وقال السدي: انها نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وقد اختصم إليه رجلان غني وفقير، فكان ضلعه (1) مع الفقير، لظنه أن الفقير لا يظلم الغني، فأبى الله تعالى إلا القيام بالقسط في أمر الغني والفقير قال: " ان تكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما " وهذا الوجه فيه بعد، لأنه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وآله في الحكم ان يميل إلى أحد الخصمين سواء كان غنيا أو فقيرا فان ذلك ينافي عصمته وقال ابن عباس: أمر الله سبحانه المؤمنين أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم، أو أبنائهم، ولا يجابوا غنيا لغناه، ولا مسكينا لمسكنته وهذا هو الأولى، لأنه أليق بالظاهر من غير عدول عنه.
وفي الآية دلالة على جواز شهادة الوالد لولده والولد لوالده، وكل ذي قرابة لمن يقرب منه، فقال ابن شهاب: كان سلف المسلمين على ذلك حتى دخل الناس فيما بعدتهم، وظهرت فيهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتم إذا كان من أقربائهم وجاز ذلك من الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة وبمعنى قول ابن عباس، قال قتادة، وابن زيد.
وقوله: " فالله أولى بهما " إنما ثنى، ولم يقل به لأنه أراد " فالله أولى بغناء الغني وفقر الفقير) لان ذلك منه تعالى وقال قوم: لم يقصد غنيا بعينه، ولا فقيرا بعينه