المنتسب حكم من انتسب إليه ممن بينهم وبينهم ميثاق، لوجب ألا يقاتل النبي صلى الله عليه وآله قريشا، لما بينهم وبين المؤمنين من الانتساب. وحرمة الايمان أعظم من حرمة الموادعة. فان قيل: هذه الآية منسوخة قيل: لعمري إنها منسوخة لكن لا خلاف أنها نسخت بقوله في سورة براءة " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وبراءة نزلت بعد فتح مكة، فكان يجب ألا يقاتل قريشا على دخول مكة وقد علمنا خلافه وقوله: " أو جاؤكم حصرت صدورهم " قال عمر بن شبة يعني به أشجع فإنهم قدموا المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخيلة فاخرج إليهم النبي صلى الله عليه وآله احمال التمر ضيافة. وقال: نعم الشئ الهدية أمام الحاجة. وقال لهم: ما جاءكم؟ قالوا:
قربت دارنا منك، وكرها جربك، وحرب قومنا، يعنون بني ضمرة الذين بينهم وبينهم عهد لقلتنا فيهم، فنزلت الآية. وقوله: " جاؤكم حصرت صدورهم " معناه قد حصرت، لأنه في موضع الحال والماضي إذا كان المراد به الحال قدر معه قد، كما يقولون: جاء فلان، وذهب عقله. والمعنى قد ذهب عقله. وسمع الكسائي من العرب من يقول: أصبحت نظرت إلى ذات التنانير بمعنى قد نظرت.
وإنما جاز ذلك، لان قد تدني الفعل من الحال. وقرأ الحسن، ويعقوب " حصرة صدورهم " منصوبا على الحال. وأجاز يعقوب الوقف بالهاء. وهو صحيح في المعنى وقراءة القراء بخلافه. ومعنى " حصرت صدورهم " ضاقت عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم وكل من ضاقت نفسه عن شئ من فعل أو كلام يقال: قد حصر. ومنه الحصر في القراءة وما قلناه معنى قول السدي وغيره.
وقوله: " ولو شاء الله لسلطهم عليكم " مثل قوله: " ولو شاء الله لأعنتكم " (1) ومعناه الاخبار عن قدرته على ذلك لو شاء لكنه لا يشاء ذلك، بل يلقي في قلوبهم الرعب حتى يفزعوا، ويطلبوا الموادعة، والمسالمة، ويدخل بعضهم في حلف من بينكم وبينهم ميثاق وفي ذمتهم، ثم قال: " فان اعتزلوكم " يعني هؤلاء الذين أمرنا بالكف عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في أهل عهدكم أو بمصيرهم إليكم " حصرت