الثاني - أضله الله بمعنى خذله. ولم يوفقه كما وفق المؤمنين، لأنهم لما عصوا وخالفوا استحقوا هذا الخذلان عقوبة لهم على معصيتهم، فيريدون الدفاع عن قتالهم مع ما حكم الله بضلالهم وخذلانهم. وقال الجبائي: المعنى ومن يعاقبه الله على معاصيه، فلا تجد له طريقا إلى الجنة. وطعن على الأول من قول البغداديين ان المراد به التسمية، والحكم بأن قال: لو أراد ذلك، لقال: ومن ضلل الله وهذا ليس بشئ، لأنهم يقولون: أكفرته وكفرته، وأكرمته وكرمته: إذا سميته بالكفر أو الكرم قال الكميت:
فطائفة قد أكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسيئ ومذنب (1) ويحتمل أن يكون المراد وجدهم ضلالا، كما قال الشاعر:
هبوني امرأ منكم أضل بعيره أي وجده ضالا، ثم قال لهم أليس الله قال: ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا " (2) أنرى أراد أن الشيطان يخلق فيهم الضلالة؟ بل إنما أراد يدعوهم إليها ولا خلاف أن الله تعالى لا يدعو إلى الضلالة، ويقوي قول من قال: المراد به التسمية. قوله: (أتريدون أن تهدوا من أضل الله) وإنما أراد ان تسموهم مهتدين لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون فحينئذ رد الله عليهم، فقال: لا تختلفوا في هؤلاء، وقولوا بأجمعكم: إنهم منافقون. ولم يكونوا يدعونهم إلى الايمان، فخالفهم أصحابهم، فعلم أن الصحيح ما قلناه، ثم أخبر الله تعالى فقال: " ومن يضلل الله يعني من خذله " فلن تجد له سبيلا " يا محمد ولا طريقا. ومن قال من المجبرة: إن قوله: " أركسهم بما كسبوا " يدل على أنه أوقعهم في النفاق. فقولهم باطل، لأنه قال: بما كسبوا، فبين انه فعل بهم ذلك على وجه الاستحقاق. وذلك لا يليق إلا بما قدمناه، لأنه لو أوقعهم في النفاق (3) لمعصية تقدمت، لكان يجب أن