ابن عباس أيضا: أن ما يحجبه الاخوة من سهم الام من الثلث إلى السدس، يأخذه الاخوة دون الأب، وذلك خلاف ما أجمعت الأمة عليه، لأنه لا خلاف أن أحدا من الاخوة لا يستحق مع الأبوين شيئا، وإنما قلنا إن اخوة بمعنى أخوين للاجماع من أهل العصر على ذلك، وأيضا فإنه يجوز وضع لفظ الجمع في موضع التثنية إذا اقترنت به دلالة، كما قال: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) (1) ويقول القائل: ضربت الرجلين أرؤسهما، ومن أخويك ظهورهما.
فان قيل: لم حجب الاخوة الام من غير أن يرثوا مع الأب؟ قلنا: قال قتادة: معونة للأب، لأنه يقوم بنفقتهم، ونكاحهم، دون الام، وهذا بعينه رواه أصحابنا، وهو دال على أن الاخوة من الام لا يحجبون، لان الأب لا يلزمه نفقتهم على حال، وقوله: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) معناه: لا تعلمون أيهم أقرب لكم نفعا في الدين والدنيا، والله يعلمه، فاقسموه على ما بينه من يعلم المصلحة فيه. وقال بعضهم: الأب يجب عليه نفقة الابن إذا احتاج إليها، وكذلك الابن يجب عليه نفقة الأب مع الحاجة، فهما في النفع في هذا الباب سواء، لا تدرون أيهم أقرب نفعا. وقيل: لا تدرون أيكم يموت قبل صاحبه، فينتفع الآخر بماله.
فان قيل: كيف قدم الوصية على الدين في هذه الآية وفي التي بعدها، مع أن الدين يتقدم عليها بلا خلاف؟ قلنا: لان (أو) لا توجب الترتيب، وإنما هي لاحد الشيئين، فكأنه قال: من بعد أحد هذين، مفردا أو مضموما إلى الآخر كقولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، أي جالس أحدهما مفردا أو مضموما إلى الآخر ويجب البدأة بالدين، لأنه مثل رد الوديعة التي يجب ردها على صاحبها، فكذلك حال الدين، وجب ره أولا، ثم يكون بعده (2) الوصية، ثم الميراث.
وما قلنا اختاره الجبائي، والطبري، وهو المعتمد عليه في تأويل الآية. وقوله: