لما رجح عنده من التناول من البركة ورواية الجريري تقتضي أن سبب أكله من الطعام لجاج الأضياف وحلفهم في أنهم لا يطعمون من الطعام حتى يأكل أبو بكر ولا شك في كونها أوجه لكن يمكن رد رواية سليمان التيمي إليها بان يكون قوله فأكل منها أبو بكر معطوفا على قوله والله لا أطعمه لا على القصة التي دلت على بركة الطعام وغايته أن حلف الأضياف أن لا يطعموه لم يقع في رواية سليمان والله أعلم ثم ظهر لي أن ذلك من معتمر بن سليمان لا من أبيه فقد وقع في الأدب عند المصنف من رواية ابن أبي عدي عن سليمان التيمي فحلفت المرأة لا تطعمه حتى تطعموه فقال أبو بكر كان هذه من الشيطان فدعا بالطعام فأكل وأكلوا فجعلوا لا يرفعون لقمة الا ربا من أسفلها ويحتمل أن يجمع بأن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئا ثم لما رأى البركة الظاهرة عاد فأكل منها لتحصل له وقال كالمعتذر عن يمينه التي حلف انما كان ذلك من الشيطان والحاصل أن الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج فعاد مسرورا وانفك الشيطان مدحورا واستعمل الصديق مكارم الأخلاق فحنث نفسه زيادة في اكرام ضيفانه ليحصل مقصوده من أكلهم ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة ووقع في رواية الجريري عند مسلم فقال أبو بكر يا رسول الله بروا وحنثت فقال بل أنت أبرهم وخيرهم قال ولم يبلغني كفارة وسقط ذلك من رواية الجريري عند المصنف وكان سبب حذفه لهذه الزيادة ان فيها ادراجا بينته رواية أبي داود حيث جاء فيها فأخبرت بضم الهمزة انه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم الخ وقوله أبرهم أي أكثرهم برا أي طاعة وقوله وخيرهم أي لأنك حنثت في يمينك حنثا مندوبا إليه مطلوبا فأنت أفضل منهم بهذا الاعتبار وقوله ولم يبلغني كفارة استدل به على أنه لا تجب الكفارة في يمين اللجاج والغضب ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوجود فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل مشروعية الكفارة في الايمان لكن يعكر عليه ما سيأتي من حديث عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى نزلت الكفارة وقال النووي قوله ولم تبلغني كفارة يعني انه لم يكفر قبل الحنث فاما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه كذا قال وقال غيره يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن لا يطعمه أضمر وقتا معينا أو صفة مخصوصة أي لا أطعمه الآن أو لا أطعمه معكم أو عند الغضب وهو مبني على أن اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا ولا يخفى ما فيه من التكلف وقول أبي بكر والله لا أطعمه أبدا يمين مؤكده ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام ولا من سبق اللسان (قوله ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت) عنده أي الجفنة على حالها وانما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة (قوله ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس) كذا هو هنا من التفريق أي جعلهم اثنى عشر فرقة وحكى الكرماني ان في بعض الروايات فقرينا بقاف وتحتانية من القرى وهو الضيافة ولم أقف على ذلك (اثنا عشر رجلا) كذا للمصنف وعند مسلم اثنى عشر بالنصب وهو ظاهر والأول على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى ان هذان لساحران ويحتمل أن يكون ففرقنا بضم أوله على البناء للمجهول فارتفع اثنا عشر على أنه مبتدأ وخبره مع كل رجل منهم (قوله الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم) يعني انه تحقق انه جعل عليهم اثنا عشر عريفا لكنه
(٤٤١)