دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يفارق المشركين ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعا أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهذا محمول على من لم يأمن على دينه وسيأتي مزيد لذلك في أبواب الهجرة من أول كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله ولكل جهاد نية) قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخلفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى ان الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت الا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك (قوله وإذا استنفرتم فانفروا) قال النووي يريد ان الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة وإذا أمركم الامام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه وقال الطيبي قوله ولكن جهاد معطوف على محل مدخول ولا هجرة أي الهجرة من الوطن اما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقي الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا قلت وليس الامر في انقطاع الهجرة من الفرار من الكفار على ما قال وقد تقدم تحرير ذلك وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الاسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار اسلام أبدا وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عينه الامام وان الأعمال تعتبر بالنيات * (تكملة) * قال ابن أبي جمرة ما محصله ان هذا الحديث يمكن تنزيله على أحوال السالك لأنه أولا يؤمر بهجرة مألوفاته حتى يحصل له الفتح فإذا لم يحصل له أمر بالجهاد وهو مجاهدة النفس والشيطان مع النية الصالحة في ذلك (قوله باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم) أي القاتل فيسدد بعد أي يعيش على سداد أي استقامة في الدين (قوله ويقتل) في رواية النسفي أو يقتل وعليها اقتصر ابن بطال والإسماعيلي وهي أليق بمراد المصنف قال ابن المنير في الترجمة فيسدد والذي وقع في الحديث فيستشهد وكانه نبه بذلك على أن الشهادة ذكرت للتنبيه على وجوه التسديد وان كل تسديد كذلك وإن كانت الشهادة أفضل لكن دخول الجنة لا يختص بالشهيد فجعل المصنف الترجمة كالشرح لمعنى الحديث (قلت) ويظهر لي ان البخاري أشار في الترجمة إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب الحديث (قوله عن أبي الزناد) كذا هو في الموطأ ولمالك فيه اسناد آخر رواه أيضا عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أخرجه الدارقطني (قوله يضحك الله
(٢٩)