هذا من قول عبيد بن عمير في أوائل الطهارة ومثله لا يقال من قبل الرأي وهو ظاهر في أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكنه بالنسبة للأمة وزعم القضاعي انه مما اختص به عن الأنبياء أيضا وهذان الحديثان يردان عليه وقد تقدم في التيمم في الكلام على حديث عمران في قصة المرأة صاحبة المزادتين ما يتعلق بكونه صلى الله عليه وسلم كان تنام عيناه ولا ينام قلبه فليراجع منه من أراد الوقوف عليه (قوله باب علامات النبوة في الاسلام) العلامات جمع علامة وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة والفرق بينهما أن المعجزة أخص لأنه يشترط فيها ان يتحدى النبي من يكذبه بأن يقول إن فعلت كذلك أتصدق باني صادق أو يقول من يتحداه لا أصدقك حتى تفعل كذا ويشترط أن يكون المتحدي به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة وقد وقع النوعان للنبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن وسميت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها والهاء فيها للمبالغة أو هي صفة محذوف وأشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى به العرب وهم أفصح الناس لسانا وأشدهم اقتدارا على الكلام بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا مع شدة عداوتهم له وصدهم عنه حتى قال بعض العلماء اقصر سورة في القرآن انا أعطيناك الكوثر فكل قرآن من سورة أخرى كان قدر انا أعطيناك الكوثر سواء كان آية أو أكثر أو بعض آية فهو داخل فيما تحداهم به وعلى هذا فتصل معجزات القرآن من هذه الحيثية إلى عدد كثير جدا ووجوه اعجاز القرآن من جهة حسن تأليفه والتئام كلماته وفصاحته وايجازه في مقام الايجاز وبلاغته ظاهرة جدا مع ما انضم إلى ذلك من حسن نظمه وغرابة أسلوبه مع كونه على خلاف قواعد النظم والنثر هذا إلى ما اشتمل عليه من الاخبار بالمغيبات مما وقع من أخبار الأمم الماضية مما كان لا يعلمه الا أفراد من أهل الكتاب ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بأحد منهم ولا أخذ عنهم وبما سيقع فوقع على وفق ما أخبر به في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده هذا مع الهيبة التي تقع عند تلاوته والخشية التي تلحق سامعه وعدم دخول الملال والسآمة على قارئه وسامعه مع تيسر حفظه لمتعلميه وتسهيل سرده لتاليه ولا ينكر شيئا من ذلك الا جاهل أو معاند ولهذا أطلق الأئمة ان معظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ومن أظهر معجزات القرآن ابقاؤه مع استمرار الاعجاز وأشهر ذلك تحديه اليهود أن يتمنوا الموت فلم يقع ممن سلف منهم ولا خلف من تصدى لذلك ولا أقدم مع شدة عداوتهم لهذا الدين وحرصهم على افساده والصد عنه فكان في ذلك أوضح معجزة وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وانشقاق القمر ونطق الجماد فمنه ما وقع التحدي به ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من خوارق العادات شئ كثير كما يقطع بوجود جود حاتم وشجاعة على وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر وانتشر ورواه العدد الكثير والجم الغفير وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار والعناية بالسير والاخبار وان لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك بل لو ادعى مدع ان غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعدا وهو انه لامرية ان رواة الاخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الاخبار في الجملة ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم مخالفة
(٤٢٤)