ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما وقد انهزم القوم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون واعتذر إليك مما صنع هؤلاء ثم قال بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة فحمل فقاتل حتى قتل وكانت درعه قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال إنها في قدر تحت أكاف بمكان كذا فأوصاه بوصايا فوجدوا الدرع كما قال وأنفذوا وصاياه وأخرج الحاكم قصة الدرع والوصية مطولة من وجه آخر عن بنت ثابت بن قيس المذكورة وفيها أنه أوصى بعتق بعض رقيقه وسمي الواقدي في كتاب الردة من وجه آخر من أوصى بعتقه وهم سعد وسالم وأفاد الواقدي ان رائي المنام هو بلال المؤذن قال المهلب وغيره فيه جواز استهلاك النفس في الجهاد وترك الاخذ بالرخصة والتهيئة للموت بالتحنط والتكفين وفيه قوة ثابت بن قيس وصحة يقينه ونيته وفيه التداعي إلى الحرب والتحريض عليها وتوبيخ من يفر وفيه الإشارة إلى ما كان الصحابة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والثبات في الحرب واستدل به على أن الفخذ ليست عورة وقد مضى البحث فيه في أوائل كتاب الصلاة (قوله باب فضل الطليعة) أي من يبعث إلى العدو ليطلع على أحوالهم وهو اسم جنس يشمل الواحد فما فوقه وقد تقدم في كتاب الشروط في حديث المسور الطويل بيان ذلك (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب) في رواية وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي لما اشتد الامر يوم بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتينا بخبرهم الحديث وفيه ان الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات ومنه يظهر المراد بالقوم في رواية ابن المنكدر وسيأتي بيان ذلك في المغازي وان الأحزاب من قريش وغيرهم لما جاءوا إلى المدينة وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق بلغ المسلمين أن بني قريظة من اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على حرب المسلمين وسيأتي الكلام على شرح الحواري في المناقب إن شاء الله تعالى (قوله باب هل يبعث الطليعة وحده) ذكر فيه حديث جابر المذكور من رواية سفيان بن عيينة وقوله ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قال صدقة أظنه يوم الخندق صدقة هو ابن الفضل شيخ البخاري فيه وما ظنه هو الواقع فقد رواه الحميدي عن ابن عيينة فقال يوم الخندق ولم يشك وفي الحديث جواز استعمال التجسس في الجهاد وفيه منقبة للزبير وقوة قلبه وصحة يقينه وفيه جواز سفر الرجل وحده وان النهي عن السفر وحده انما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في باب السير وحده واستدل به بعض المالكية على أن طليعة اللصوص المحاربين يقتل وإن كان لم يباشر قتلا ولا سلبا وفي أخذه من هذا الحديث تكلف (قوله باب سفر الاثنين) أي جوازه والمراد سفر الشخصين لا سفر يوم الاثنين بخلاف ما فهمه الداودي ثم اعترض على البخاري ورده ابن التين بان البخاري أورد فيه حديث مالك بن الحويرث أذنا وأقيما وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما ذلك حين أرادا السفر إلى قومهما فيؤخذ الجواز من إذنه لهما (قلت) و كأنه لمح بضعف الحديث الوارد في الزجر عن سفر الواحد والاثنين وهو ما أخرجه أصحاب السنن من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة
(٣٩)